في دولة بلا قانون…
كتب / كاظم الموسوي / رئيس تحرير جريدة المحرر الجديد
في دولة بلا قانون، لا يُحاكم المزوّر، بل يُكافأ بمنصب.
في دولة يُكرَّم فيها الفاسد، ويُستبدل العقاب بالإقالة، ويُرفع شعار “عفا الله عمّا سلف” حتى بحق من خان وتآمر وسرق.
في دولة بلا قانون، تُباع الشهادات، وتُشترى المناصب، ويُعاد تدوير المتهمين والفاشلين في السلطة مرارًا، وكأن البلاد بلا شعب، بلا ذاكرة، بلا كرامة.
ألم يُطرد محمد الحلبوسي من رئاسة البرلمان بتهمة التزوير؟ ومع ذلك، بقيت تهم الفساد تلاحقه دون محاسبة تُذكر ثم تم تبرئته من كل التهم !.
أليس قانون العفو العام الذي أُقرّ ليشمل آلاف الفاسدين والمزورين إلا دليلًا صارخًا على شرعنة النهب المنظّم؟
وماذا عن عزّت الشابندر؟
ماذا جنى من صفقة العفو عن مشعان الجبوري ومحمد الدايني وخميس الخنجر؟
أليس هو نفسه من لعب دور الوسيط والمقايض السياسي، ليعود هؤلاء إلى الواجهة رغم ملفاتهم الثقيلة؟
ثم ماذا بعد؟
ها هو اليوم يظهر في الإعلام ليُلمّع صورة الإرهابي أبو محمد الجولاني، وكأن دماء آلاف العراقيين التي سفكها تنظيمه صارت موضوعًا قابلاً للتجميل السياسي!
كيف يُعاد إلى السلطة من تلطخت أيديهم بدماء العراقيين؟
كيف يُسوّق للإرهابيين بوصفهم “زعماء معتدلين” فقط لأن المرحلة تتطلب ذلك؟
أليست هذه قمة الخيانة؟
أليس هذا استخفافًا بذاكرة الضحايا وعدالة الأرض والسماء؟
إن ما نشهده ليس مجرد خلل إداري أو سوء إدارة، بل انهيار أخلاقي وقانوني كامل. جمهورية “خريجي سوق مريدي” باتت واقعًا لا مجازًا؛ تزوير في الشهادات، تلاعب في الألقاب، وفساد ممنهج يمر عبر قنوات الدولة الرسمية.
القضاء الحقيقي لا يكتفي بطرد المزور من منصبه، بل يُحاسبه، يُجرّده من كل ما ناله بغير وجه حق، ويزج به في السجن ليكون عبرة. فحين يكون المزور عضوًا في البرلمان، ممثلًا عن 100 ألف مواطن، فإن خيانته مضاعفة، وجريمته أفدح.
لكن في عراق اليوم، أقصى ما يُتخذ بحق من ينهب المال العام أو يتخابر مع جهات أجنبية، هو التقاعد المبكر أو الاستقالة الفخمة.
والشعار المقدس للدولة تجاه المجرمين: “عفا الله عما سلف”، رغم أن قوانين السماء والأرض تقضي بالقصاص والعدل.
كم من كبار المسؤولين حصلوا على شهاداتهم الجامعية والدكتوراه بطرق غير قانونية؟ بلا تفرغ وظيفي، وبمال فاسد، من جامعات عربية وأجنبية ضعيفة، ليأتي قانون “رقم 20” سيئ الصيت في البرلمان السابق ويشرعن هذا العبث!
وفيما يُكافأ المزور، يُقمع المئات من حملة الشهادات العليا من الشباب، لأنهم خرجوا يطالبون بفرصة عمل أو حياة كريمة.
أليس مصطفى مشتت (الكاظمي)، نموذجًا صارخًا لحالة التزوير؟ ووزراء وبرلمانيين وقاده احزاب ، وقائمة الأسماء تطول وتطول!
بل أليس تزويرًا أن يُدمج في القوات الأمنية من لا علم له بالعسكرية، ليصبح لدينا أكثر من 200 ضابط برتبة فريق، بعضهم لم يدخل الكلية العسكرية قط؟
كيف يُبنى أمن دولة على رتب وهمية وكفاءات مشكوك بها؟
أما عن الإقليم، فحدّث ولا حرج. ملايين الموظفين الوهميين، آلاف الرواتب في مؤسسات غير فاعلة مثل السكك، وأكثر من 200 مليار دولار من عائدات النفط نُهبت، ثم تُحوّل لهم شهريًا 200 مليار دينار من نفط الجنوب المهمل الفقير!
أين الدولة من استرداد أموال الوزراء والمسؤولين السابقين الذين هربوا بثروات العراق إلى الخارج؟ حسابات مصرفية، عقارات، استثمارات، والشعب يُترك يواجه الجوع والفقر وتقدم المتح السخية لدول اخرى من اموال الشعب ؟
ومَن يُسائل من باع ميناء خور عبد الله للكويتيين في صفقة خيانة وطنية واضحة؟ من قبض الثمن من كبار المسؤولين؟
كيف مرّر أسامة النجيفي، رئيس البرلمان الأسبق، التصويت على هذه الاتفاقية دون استكمال النصاب، وكأن الأرض العراقية تُدار بتصفيق لا بدستور؟
أين الدولة من مساءلة هؤلاء؟ أم أن بيع الأرض أصبح وجهًا آخر من وجوه الصفقات المحمية بالتوافق السياسي؟
ثم ماذا عن 25 مليار دولار صُرفت باسم “قانون الأمن الغذائي”؟ أين ذهبت؟ وأي غذاء هذا الذي لم يصل لفقراء العراق؟
لماذا لم تُكشف الحسابات؟ ولماذا لا يُسجن من استغل هذا القانون لنهب المال العام؟
وأين هي عصابة نور زهير وجوجي وهيثم الجبوري ومن معهم؟
أين التحقيقات؟ أين أوامر القبض؟
لماذا يتبخر الفساد حين يصل إلى أسماء “محمية” سياسياً وطائفياً؟
أسئلة تحترق بها صدور العراقيين، ولا تجد من يملك الجرأة ليجيب.
البلد يُنهب علناً، ولا يزال البعض يتحدث عن “الإصلاح” و”العبور الآمن”!
العدالة لا تبدأ من القاع، بل من القمة.
ولا إصلاح بدون محاسبة…
ولا وطن بلا قانون.