المحلية

“رؤوس” شوقي الموسوي .. حين تصبح اللوحة “ترند” والـ”الشكل” هما فلسفيا

جواد الحطاب

 

 

 

 

فنان تشكيلي بارز، ومثابر على اشتغالاته المختلفة، ولذلك فإنّ تجربته تضع المتلقي امام فعل استقرائي جديد على الذائقة، لكونه مهموما بالبحث والتنقيب عما تتركه أعماله من أثر بعد إطلاق سراحها من الصمت- (المَشْغَل) او الأستوديو، واصطحابها الى العلن – (القاعات) او المعارض، وصولاً الى ما يتجسّد من جوهرها فوق قماش اللوحة الأبيض، والعبور به الى عوالم مختلفة الإنجاز.

هذا هو (شوقي الموسوي) الفنان المنضبط الذي لا يشتغل من دون تحضير او إنشاء، ومن دون ان يغفل ان لكل تجربة تعبير، وإسلوب، وقوانين، بعيدا عما يسميها هو “التقريرية الساذجة”.
فثمّة معنى، وتراكم لوني، وبصري، وتأويلات متعدّدة، لا يريد أن يترك جمهوره عرضة لتأويلها “المغلق” الذي يؤدي بهم الى الفراغ لا غير.
فالموسوي يريد من مُسْتَقبلِه او متلقيه ان يكون مشاركا في طرح أسئلة، أجوبتها ربما تكون امامه في تفاصيل اللوحة، لكنها مستترة تحتاج الى تقصي وكشف، وحتى الى حفر، وهنا تكمن – باعتقادي- مهارة الفنان.
في جواب له عن سؤال صحفي حول عملية اشتغاله، يقول وبما يمكن ان ننتبه اليه من إنه ( يعتبر الفن موجه الى الآخر أكان – الآخر- بخبوياً او تعبوياً أم غيرهما ..ويضيف، لست مع الفن الخاص فقط بالنخبة !!
الفن يعتمد على ما يمتلكه الآخر من مرجعيات ثقافية ومعرفية وبصرية).

2
أذكر اني في برنامجي الأسبوعي المخصص للفن التشكيلي ، برنامج (تكوين – 1995/2003) والذي كنت أقدّمه عبر ( تلفزيون العراق الدولي – الفضائية العراقية الآن، ولمدّة 8 سنوات متواصلة !!) قد اشتغلت أكثر من حلقة للتشكيلي الكبير “اسماعيل فتاح الترك” وكان موضوع اشتغالي هو (وجوه) اسماعيل الترك، والتي اقام لها معرضا تشكيليا في احدى قاعات ابي نؤاس منتصف التسعينيات، حيث أراد الراحل الخالد بأعماله، ان يعبر من خلال (وجوهـه)، وتركيزه على “العيون” الواسعة التي تعيدك الى ما أبدعه الفنان الرافديني القديم ، مركزا على ما تحمله الوجوه من ابعاد، وتعابير، بعيدا عن الواقعية أو الفوتوغراف..
.
الموسوي اختار في مشروع معرضه السادس أن يغامر بعيدا عن (وجوه) الترك، فإختار له منطقة أكثر شمولية هي (الرأس) وبكامل ثيماته البصرية والمعرفية، وبتشكيلات ورؤى مختلفة، مستندا في ذلك الى قراءة واسعة لموروث عراقي ممتد على طول خارطة الوطن، وبكل متغيراته السياسية والتاريخية والإجتماعية، حتى ليمكن لي ان اعتبر ان “رؤوس” معرضه السادس هي (ترند) كما يتداول الفعل او القول او الممارسات الشائعة في السوشل ميديا او منصات التواصل الإجتماعي الألكترونية، لأن كل ما جاء في هذه الـ”رؤوس”، او ما عبّرت عنه، هو يحتلّ – الآن- مساحة مستدامة من ذاكراتنا، مستدامة ومتواترة.
:
(شهيد وشهادة – ذاكرة الكون – الحسين – الصليب – الحشد – داعش – رنين – مرد الرؤوس، شهداء من وطني، طريق الجنّة، نذور … ) وغيرها.
وكل هذه الرؤوس- اللوحات، قد تمّ الاشتغال عليها من منظور شعبي، وثقافي، وفلسفي.
فموضوعاتها متعدّدة ومتنوعة، وتعكس التطورات والتحولات التي نعيشها في الحياة وفي الفن المعاصر، وتعكس رؤية الفنان حول ما يدور حوله في العالم ، والإنسان.
3
يقول الموسوي (أغلب تجاربي الفنية على مستوى الرسم والنقد التشكيلي تجدها تنطلق من المرجع في عملية التنقيب عن الاثر أو العلامة بحثاً عن المعاني الجوهرية).
ومن يدقّق في لوحات معرضه السادس (والذي مضت عليه ما يقرب من تسع سنوات 2016، والذي أقترح عليه إعادة عرضه لأهمّيته التشكيلية) سيرى ان “رؤوسه” حاضرة في الاحداث التي تجري أمامنا اليوم، وبالمسمّيات أيضا ( فـ”الحسين” واحد في غزة ولبنان وسوريا والعراق، والـ”حشد” هو ذاته الآن من يُسْتَهدَف في “مردّ الرؤوس” والسيد المسيح عليه السلام، موجود في “طريق الجنة”، والـ”تربة حمراء” ما زالت نديّة بالدم، نهجسها كلما وضعنا اكفّنا تحت القميص)!
ألم أقل لكم ان هذه اللوحات هي “ترند” الفن التشكيلي العراقي المعاصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار