أوهام في احضان الحقيقة
بقلم: خليفة الشرقي
الحقيقة أحيانًا مُرّة…
ليست مُرّة فحسب، بل عفنة، جارحة،
تقتلع من القلب آخر أوتاد الطمأنينة،
وتكشف الأقنعة عن الوجوه،
حتى لا يبقى للإنسان إلا صورته العارية أمام ذاته،
تلك التي طالما هرب منها…
لهذا يخشاها الناس…
فالحقيقة بلا رتوش قد تكون صاعقة،
بل أثقل من أن تُحتمل…
لكن الأوهام — على ضعفها تحمل سحرًا خفيًا…
ليست دائمًا شرًّا مطلقًا،
فهي أحيانًا دواء للروح،
قشّة يتشبّث بها الغريق،
فسحة أمل حين تُغلق الأبواب،
وحلمٌ صغير حين تضيق الحقائق حتى تخنق أنفاسنا…
أوَليس العاشق يحيى على وهم اللقاء قبل أن يذوق مرارة الفقد؟
أوَليس المريض يجد في كلمات الطبيب المخفّفة وهجًا من رجاء،
ولو كانت الحقيقة قاسية أضعافًا؟
الحقيقة بلا أوهام قاسية كالمشرط،
والأوهام بلا حقيقة خداع طويل لا يُبنى عليه مستقبل…
لذلك، كان التوازن ضرورة، لا ضعفًا…
فالحياة أشبه بميزان:
في كفّة الحقيقة، صدق عارٍ قد يحرق،
وفي كفّة الأوهام، بلسم مؤقت يُسَكّن…
والميلان إلى طرف دون آخر
يجعلنا إمّا أسرى للوهم فنضيع،
أو أسرى للحقيقة فننكسر…
إن العيش يحتاج إلى لمسة صدق تُوقظ،
ولمسة وهم تُعزّي…
وبين اليقظة والتعزية،
يبقى الإنسان قادرًا على أن يسير في الطريق دون أن ينهار…
الحقيقة جرحٌ يوقظ، والأوهام مرهمٌ يُسَكّن… ولا تقوم الحياة إلا على اتزان الجرح والمرهم…