من أين نشأ مسرح الطفل
حيدر كاطع المرشدي
الحديث عن نشأة مسرح الطفل ليس استعراضًا تاريخيًا فحسب بل هو نبش في الجذور الإنسانية الأولى لفن وُلد من رحم الحاجة إلى الكلمة الصادقة والحكاية التي تضيء والمشهد الذي يربّي دون أن يعظ لقد نشأ مسرح الطفل يوم أدركت الإنسانية أن الطفولة ليست مرحلة عابرة بل لبنة تأسيسية لكل ما سيكون عليه الإنسان لاحقًا هذا الفهم العميق الذي تبلور تدريجيًا مهّد لولادة خطاب مسرحي يخاطب الطفل لا من فوق بل من جواره من عالمه وبأدوات تنسجم مع لغته الحسية والخيالية ، البدايات الحقيقية لهذا المسرح ظهرت مطلع القرن العشرين حينما بدأ المربّون والفنانون في أوروبا لا سيما في روسيا وألمانيا وفرنسا بالالتفات إلى أهمية المسرح كوسيلة تربوية فقدّموا عروضًا تستلهم الحكايات والأساطير وتُبنى بلغة بسيطة لكنها عميقة الدلالة مراعية لقدرات الطفل الإدراكية والنفسية ولم يكن الهدف الترفيه وحده بل تشكيل وعي الطفل وصقل ذائقته الجمالية وتعزيز مهارات التعبير والتخيل لديه ،
ومع مرور الوقت بدأ مسرح الطفل يتحوّل من نشاط هامشي إلى مشروع ثقافي متكامل له كتابه ومخرجوه ومؤسساته حتى إن بعض الدول أدخلته ضمن مناهج التعليم الأساسي بوصفه ضرورة تربوية لا تقل أهمية عن الدرس المدرسي، أما في العالم العربي فقد تأخر الاهتمام الجاد بمسرح الطفل لكنه انطلق من عمق التراث الشفهي والحكاية الشعبية والموروث الديني وبرزت منذ منتصف القرن العشرين تجارب رائدة في مصر والعراق وسوريا سعت إلى تأسيس مسرح موجّه للطفل يستند إلى بيئته وثقافته ويُقدَّم بلغة مسرحية تُراعي خصائص الطفولة وسلوكها ، واليوم يقف مسرح الطفل في مفترق طرق بين الترفيه السطحي والتربية الواعية فإن أردنا لهذا المسرح أن يكون فاعلًا فعلينا أن نؤمن بأن الطفل ليس كائنًا ناقصًا يحتاج إلى التلقين بل كائن كامل يحتاج إلى من يصغي له ويتحدث بلغته ويمنحه الحرية لاكتشاف العالم لا عبر الشرح بل عبر الحكاية والحلم والمسرح.