المقالات

يافطات الحب وقلوب الجمهور تسبق صافرة 10/ 6: الأردن والعراق أخوّة لا تزول

ديمه الفاعوري
على أرض النشامى، حيث تتلاقى القلوب أكثر من الخرائط، كانت لحظة استقبال منتخب أسود الرافدين في عمّان الأجد لحظة نادرة لا تكتفي بالإشارة إلى مباراة كرة قدم، بل تلامس جوهر العلاقة الراسخة بين شعبين لم تجمعهما فقط المصالح، بل تاريخهما الطويل من المواقف والأخوة. ففي مطار الملكة علياء الدولي، لم تكن الجموع الغفيرة مجرد جماهير تنتظر لاعبي كرة قدم، بل كانت قلوبًا مفتوحة تستقبل أهلها، وترفع يافطاتٍ كتب عليها: “أسود الرافدين والنشامى – قلب واحد”. مشهد من تلك التي تحفظها الذاكرة طويلاً، وتُسجَّل كإحدى صور المحبة العربية النادرة التي لا تعرف حسابات السياسة، ولا تقف عند حدود الجغرافيا.

كان في المشهد من الدفء ما يعجز عنه الوصف، فقد قدمت الحكومة الاردنية، التحايا الحارة للضيوف العراقيين، مؤكدة أن العراقي في الأردن ليس ضيفًا، بل صاحب دار، وأن هذا البلد يفتح ذراعيه لكل عربي يحمل في قلبه حبًا وسلامًا. وعلى الضفة الأخرى، لم يكن لاعبو منتخب العراق غرباء، بل بدوا كمن يعود إلى مكان يعرفه جيدًا، إلى بيت تآلف معه وتعود على نَفَسه.

ولم يتأخر النشامى في التعبير عن المحبة المتبادلة، حيث نشر نجم المنتخب الأردني موسى التعمري ينشر صورةً على حسابه الرسمي، يرفقها بكلماتٍ صادقة من قلب رياضي يعرف أن المنافسة لا تنفي المحبة، بل تعززها، وأن العروبة ليست شعارًا، بل فعلًا يتجسد في كل لقاء مثل هذا. قالها ببساطة عفوية: “ما بين الأردن والعراق ليس فقط حدود، بل تاريخ وأخوّة”، فكان بذلك صوتاً للشعبين معاً، لا مجرد لاعبٍ ينتظر مواجهة كروية.

المباراة المنتظرة يوم العاشر من حزيران لم تعد مجرد لقاء في التصفيات، بل صارت عيدًا رياضيًا عربيًا يحمل على كتفيه رسالة كبيرة مفادها أن الرياضة لا تُشعل الفتن، بل تطفئها، وأنها لا تخلق خصومات، بل تفتح نوافذ اللقاء. الأردنيون قالوها دون تردد: “الرياضة توحّدنا”، وكأنهم يردّون على صخب العالم بأن هذه البقعة من الأرض قادرة على إنتاج مشهد مختلف، مشهد يعيد الإنسان إلى مكانته الأولى، حيث اللقاء أغلى من الفوز، والروح أعلى من الهدف.

من عمّان إلى بغداد، ومن الزرقاء إلى الموصل، تمر روابط التاريخ، والعلاقات الأسرية، والمصالح الاقتصادية والثقافية، لتؤكد أننا حين نلتقي، فإننا نعود إلى أصلنا العربي الذي لا تغيره الظروف. ليس هناك غريب بيننا، فكل أردني يعرف شارعًا في بغداد، وكل عراقي يحمل في ذاكرته مشهدًا من عمّان أو جرش أو البحر الميت. هذه الروابط لا يمكن محوها، ولا يمكن لأي ظرف أن يضعفها.

إن المباراة القادمة هي موعد بين أشقاء، فيها سيتنافس اللاعبون على المستطيل الأخضر، لكن خارج الملعب، يتقدم التاريخ والعاطفة وعمق الأخوة بخطى راسخة، ليقول للعالم إن ما يجمع الأردن والعراق أكبر بكثير من كرة تُركل، وأن الشعوب حين تلتقي على المحبة، فإنها تهزم كل خلاف، وتصنع مسارات جديدة من الوحدة والكرامة.

في كل لحظة استعداد لهذه المباراة، يُكتب سطر جديد في كتاب العلاقات الأردنية العراقية، كتاب لا تسطره الأحداث الطارئة، بل يكتبه الشعبان بحروف المحبة والاحترام المتبادل. وسيظل هذا اللقاء علامة فارقة، تذكّر كل من يشكك أن العروبة لم تندثر، وأننا ما زلنا نعرف كيف نحب، ونُكرم، ونقف مع بعضنا كأهلٍ وسند.

ومهما كانت نتيجة اللقاء في العاشر من حزيران، فإن النتيجة الأكبر قد حُسمت منذ الآن: نحن أمة واحدة، نحتفل ببعضنا، ننافس بعضنا بشرف، ونعيد رسم ملامح الأمل في لحظة تحتاج فيها الأمة العربية إلى جرعة صادقة من التضامن والفرح. هكذا كانت عمّان، وهكذا كان العراق، وهكذا سيبقى النشامى وأسود الرافدين، قلبًا واحدًا، في ساحة تتجاوز الحسابات وتعلو فوق البيارق، لترفرف راية واحدة عنوانها: ما يجمعنا أكبر من كرة قدم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار