المقالات

نحن أبناء العزّ، لا أبناء السوق

بقلم: خليفة الشرقي
مقالة في الفلسفة والدين

 

 

 

هي حياتُنا، نصنعها كما نشاء، ولكن دائمًا في حدود ما يشاء ربّ العزّة ويرضى.
في هذا التلاقي العجيب بين الاختيار الإنساني والمشيئة الإلهية، تتكوّن معادلة الحياة:
نحن مسؤولون عن السعي، والله وحده يهدي السبيل، ويبرمج الأعمال، ويكتب الأقدار…

نحن لا نُشترى، ولا نُباع، لأن النفوس العزيزة لا تُعرض في أسواق المنافع…
الكرامة عندنا ليست ترفًا أخلاقيًا، بل عقيدة راسخة، تتغذى من الإيمان بأن:

من توكّل على الله، أعزّه.
ومن استغنى به، أغناه.
ومن رضي بما قُسم له، أغناه الله عن الناس…

في زمنٍ امتلأت فيه الوجوه بالأقنعة، واختلط فيه الصادق بالمخادع، نحن نختار أن نظلّ بوجهٍ واحدٍ فقط،
وجهٍ صادق، واضح الملامح، لا يعرف الرياء ولا يُجيد التلوّن…
لا نساوم على الحق، ولا ننافق لنبلغ، لأننا نوقن أن:

الرزق لا يُنتزع بالمكر، بل يُؤتى بالإيمان والتقوى…

نصون العهد، ونحفظ الكلمة، لأن من صفات المؤمن أنه:

“إذا عاهد وفى”، كما علّمنا نبيّ الرحمة صلى الله عليه وسلم…
فالعهد عندنا ليس حبلًا من خيوط المصلحة يُقطع متى شاء الهوى، بل ميثاق شرف لا ينقضه إلا خائنٌ قد بايع الشيطان…

لا نزاحم الذئاب على ولائمها، لأننا لا نأكل بثياب غيرنا،
ولا نمدّ أيدينا في الظلام،
ولا نخوض الصراعات القذرة من أجل فتات موائد السلاطين…
نحن تربّينا على عزّ السباع، التي لا تأكل إلا ما صادته بمخالبها،
وترفض الزحف حتى لو عضّها الجوع،
لأن الشموخ لا يُشترى، بل يُولد مع من خُلِقَ حرًا…

الفرق بيننا وبينهم، هو الفرق بين من آمن أن الحياة امتحان، وأن الله مُطّلع،
وبين من ظنّ أن الدنيا ساحة صيدٍ بلا حسيب ولا رقيب…

نحن نعيش تحت رقابة السماء، لا نظنّ بالله إلا خيرًا، ولا نغفل عن يومٍ:

تُوزن فيه الأعمال،
وتُعرض فيه السرائر،
وتُكشف فيه الوجوه…

وفي زماننا، وبين كثير من المجتمعات،
تهاوى الناس على موائد الذلّ، وباعوا الكرامة بثمنٍ بخس،
دون هوادة، دون إحساس، وقد نسوا مكارم الله التي تُكتب لهم ممزوجة بشطارة أعمالهم الزكية…

وفي نهاية المطاف:

أن نكون كما يحب الله، لا كما تشتهي الأسواق…
أن نعيش بالحق، لا بالاحتيال…
أن نصعد الجبل، حتى وإن شقّ علينا،
لا أن نهوي في الوادي مع الساقطين…
وبئس المتخاذلون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار