دوامة الصمت
بقلم / فراس الحمداني
منذ زمن طويل والعالم يبحث في سلوك الجماهير تجاه الإعلام والرأي العام ومن بين أبرز النظريات التي حاولت شرح هذا السلوك جاءت نظرية دوامة الصمت التي قدمتها العالمة الألمانية إليزابيث نويل نيومان في سبعينيات القرن الماضي لتكشف عن ظاهرة اجتماعية خطيرة قد تكون أكثر حضورًا مما نتخيل في مجتمعاتنا اليوم .
تقول النظرية إن الأفراد عندما يشعرون أن رأيهم يخالف الرأي السائد أو المسيطر في المجتمع فإنهم يميلون إلى الصمت وعدم التعبير عن وجهة نظرهم خوفًا من العزلة أو الانتقاد أو حتى العقاب الاجتماعي وهذا الصمت لا يحدث مرة واحدة بل يتكرس بمرور الوقت حتى تختفي الآراء المخالفة وتصبح وجهة النظر السائدة وكأنها الحقيقة المطلقة بينما في الواقع هي مجرد الصوت الأعلى وليس بالضرورة هو الصوت الأصوب .
ولو ألقينا نظرة على الواقع العراقي لوجدنا أن دوامة الصمت تدور بسرعة وربما بقوة مضاعفة فيه ولعل المواطن العراقي اليوم يعيش وسط استقطاب سياسي وديني وطائفي حاد فاغلب الارأء قد يتفهم على أنها انحياز وكل كلمة تُحسب على صاحبها أضعافًا مضاعفة في بلد أصبحت فيه الحقيقة متعددة الأوجه والخوف من التعبير أكبر من الرغبة بالمشاركة ولذا فان الكثيرين يفضلون التزام الصمت في مواقع التواصل الاجتماعي ويتجنبون التعليق على القضايا الحساسة لأنهم يدركون أن الرأي قد يجلب لهم حملة تخوين أو اتهام أو استهداف حتى وإن لم يكن رأيًا متطرفًا بل مجرد محاولة لفهم ما يجري أو طرح تساؤل مشروع .
والمؤلم أن هذا الصمت لا يأتي دائمًا من الجهل بل أحيانًا من الوعي الكامل بخطورة الكلام فالمثقف العراقي يعرف جيدًا أن كلفة التعبير قد تكون عالية وأن الزمن لم يعد زمن الأصوات الحرة بل زمن التكتلات الإعلامية والجيوش الإلكترونية المكللة باججنظاتها التي ترفع من تشاء وتستهدف من تشاء .. حتى صرنا نعيش اليوم في بيئة إعلامية واجتماعية تكاد تكرس الرأي الواحد وتُهمش التنوع وتدفع الناس إلى الانسحاب من النقاش العام وهذا يعني أن البلد دخل فعليًا في دوامة الصمت تلك الدوامة التي تبدأ من الخوف وتنتهي إلى الهيمنة الفكرية الكاملة .
لا خلاص من هذه الدوامة إلا بضمان بيئة آمنة للرأي وتعددية حقيقية تحترم الاختلاف في الاراء وتفهم أن التعبير ليس جريمة بل هو جوهر الحياة الديمقراطية ..
أسقط عمدا” خارج نطاق هذا النص ( للتذكير ) ..
المادة (38) من الدستور العراقي /
تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب :
حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.. و حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر… و حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون.