المقالات

(دور الدولة في مكافحة الظاهرة الاجرامية)

(الدكتور عمار الربيعي باحث في الشأن القانوني والسياسي)

 

 

تعد الظاهرة الإجرامية ظاهرة ملموسة في كل مجتمع إنساني، وهي ظاهرة إنسانية ناشئة من التفاعلات الحادة للأمزجة الشخصية المتباينة والمصالح المتضاربة ، ولذا تعد من السنن المألوفة التي يتعذر أزالتها ، لذلك فإن أغلب الدول اتجهت إلى وضع سياسة جنائية من شأنها مكافحة الظاهرة الإجرامية أو الحد من ارتكابها، إلا إن هذه السياسة ليست واحدة وإنما تختلف باختلاف الزمان والمكان ، فهي تتطور وتتغير تبعاً لتطور المجتمعات وتغيراتها ولذلك يجب على كل دولة عندما تقوم بوضع سياستها الجنائية أن تأخذ بالنظر ظروف المجتمع الاجتماعية والاقتصادية ، كما تتأثر السياسة الجنائية أيضاً بالعادات والتقاليد السائدة في المجتمع كما يجب أن تؤخذ بالنظر الظروف أو الدوافع التي تؤدي إلى ارتكاب الجريمة سواء كان هذا الدافع اجتماعياً أو اقتصادياً لأن السياسة الجنائية ليست مجرد تصور فكري أو خيالي وإنما هي عبارة عن مجموعة من الاهداف ترسمها الدولة من أجل حماية القيم والمصالح الأساسية للمجتمع ، ومن أجل أن تحقق السياسة الجنائية هدفها فانه يجب أن تواكب التغيرات التي تطرأ على المجتمع إذ إن عدم مواكبة هذه التغيرات من شأنها أن تعرقل مسار السياسة الجنائية ، كذلك هناك صلة بين الظروف الاجتماعية والاقتصادية فكلما تدنى مستوى هذه الظروف كلما كان هناك ميل الى ارتكاب الجريمة ثم فشل في تحقيق اهداف السياسة الجنائية ، لذلك يجب على الدول النهوض بالمستوى الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع لكي تأتى السياسة الجنائية بإجراءات فعالة من شأنها القضاء على الظاهرة الإجرامية أو الحد منها ، وكذلك للسياسة الجنائية دور في صياغة أفكار قانون العقوبات إذ إن ملامح قانون العقوبات في أي بلد يتوقف على السياسة الجنائية التي تتبعها أو تضعها الدولة سواء في تحديد الظاهرة الإجرامية أو رد الفعل القانوني أو الاجتماعي ضد الجريمة والقانون الجنائي يتناول العقوبة والجريمة فعلم الإجرام يهم بدراسة المجرم، وعلم العقاب يهتم بتنفيذ العقوبة ، لذلك فإن لهذين العلمين دوراً في تطوير القانون الجنائي ، ولأن هذين العلمين لهما دور كبير في بناء قاعدة السياسة الجنائية من خلال الافكار التي يقدماتها لها.
أن السياسة الجنائية لها دور كبير في حماية حقوق ومصالح المجتمع لأنها تعمل على تجريم الأفعال المخلة أو التي تشكل تهديداً لهذه الحقوق والمصالح ، وبذلك فانه كلما عظمت المصالح والقيم والحقوق الجديرة بالحماية كلما نالت أقصى مراتب الحماية القانونية ، ولذلك كل دولة تعمل على بيان المبادئ التي من خلالها تحدد العقوبة كما أن تحديد العقوبة يكون مكملاً للتجريم لذلك فإنه لا أهمية تذكر لتحديد الفعل الإجرامي ما لم يتم تحديد العقوبة له ، وبذلك يكون الهدف من تحديد العقوبة اجتثاث العادات الأنحرافية والقضاء على العوامل التي من شأنها تهيئة الفرصة لارتكاب الجريمة ، وكذلك وضع تدابير مانعة تمنع ارتكاب الجريمة ) أي قبل وقوعها ) ، وهذا ما يسمى بسياسة المنع ، كذلك إن للسياسة الجنائية أهميتها وليس فقط في تجريم الأفعال التي تشكل اعتداء على حقوق ومصالح المجتمع ثم فرض العقوبة المناسبة ، وإنما يجب أن يكون لهذه السياسة دور فعال في مكافحة ظاهرة الإجرام والعود، فيُصلح المجرم ويؤهل، فهو عضو فعال في المجتمع ولكي يتمكن من الاستمرار بانتمائه إلى هذا المجتمع فإنه يجب تأهيله وإصلاحة.
تعد السياسة الجنائية وهي سياسة الحد من التجريم والعقاب مرحلة مهمة من مراحل تطور الجزاء الجنائي من جهة ونتيجة المراعاة الأسس والمبادئ التي يقوم عليها الجزاء الجنائي ثم رصد انعكسات هذه السياسة من أجل التوصل إلى نموذج تكون الغاية منه الحد من التجريم والعقاب بما ينسجم مع القيم الثقافية والحضارية ، لذا صار من الضروري القول بأن العقوبة ليس هي الحل المناسب لمرتكبي الجريمة اذ يجب على السياسة الجنائية أن تواكب التطورات والتغيرات الاجتماعية التي تحدث في المجتمع ، أذا تعد هذه التغيرات الاجتماعية من أهم المشاكل التي تعرقل مسار السياسة الجنائية ، وهناك رابط بين الظروف الاجتماعية والاقتصادية بحيث اذا تم اصلاح الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية فأن دراسة سلوك المجرم والظروف التي ادت به الى ارتكاب الجريمة تتطلب ربطة بالوضع الاجتماعي لكي يتم التوصل إلى السبب الرئيسي في ارتكاب الجريمة أي يتم ربط السياسة الجنائية بالسياسة الاجتماعية ، كما يتم الأخذ بنظر الاعتبار عند وضع السياسة الجنائية المصلحة التي يتم حمايتها اذ قد يؤدي تطور القيم والافكار في المجتمع الى انعدام المصلحة كمناط للتجريم فقد يفرض المشرع عقوبة لفعل اجرامي ما أدى ذلك بجانب من الفكر الجنائي الى الحد من التجريم بحيث يتم تحقيق اهداف السياسة الجنائية ليس على المستوى الاقليمي ، بل على المستوى الدولي بأسره.
لذا يتطلب من المشرع المتمثل بمجلس النواب العراقي الاخذ بنظر الاعتبار التطور والزيادة في عدد الجرائم واصلاح النظام العقابي والاجتماعي .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار