الذكاء الروحي
بقلم أ.د. نيرفانا حسين الصبري استاذ العلوم الاجتماعية والانسانية
ان موضوع الذكاء الروحي يعتبر من أحدث الموضوعات التي ظهرت على مائدة الموضوعات الاجتماعية التي يهتم بها علماء الاجتماع وعلماء النفس لأهميته خاصة في الوقت المعاصر. فكلنا يعرف الذكاء الاجتماعي المتصل بسلوك الانسان وطريقة تكيفه مع المجتمع، والذكاء العاطفي الذي يتصل بالوجدان الانسانى ويداعب العاطفة والاحساس الراقى ، ولكن الذكاء الروحى هو ذلك الموضوع المتعلق بالقدرات الروحية للنفس البشرية وأثرها في حياة الفرد. وقد تزايد الحديث عن الروحانية في المؤلفات الحديثة في علم النفس وعلم الاجتماع لكونهما اللذان يبحثان في عمق المجتمع وعمق النفس البشرية ، والبدء بالاهتمام بالجانب الروحى ودوره في حل المشكلات الاجتماعية وإعطاءه قيمة ومعني للحياة . اذن ما هو الذكاء الروحي ؟
هو مجموعة من القدرات التي يستخدمها الفرد لتطبيق القيم ، والمصادر الروحية، والتي تزيد فاعليته في الحياة، وتعزز رفاهيته النفسية، وتحسين أداء مهامه الاجتماعية
والإنسان يمر عبر حياته و ارتقائه الروحى بعدة مراحل يتطور فيها وعيه ليصل إلى مراتب عالية من التقدم و السمو الروحى ، فيصل إلى الصفاء الفكري و يتحرر من قيود المادة التي تطغي علي عقل الانسان فترات طويلة من حياته فيتقدم بخطي ثابتة على الطريق واعياً لجميع القوانين الإلهية الحكيمة وواعياً للإله الكامن بداخله .
ونؤكد هنا ان فترة المراهقة من اشد المراحل استجابة للذكاء الروحى ؛ من بداية المرحلة الجامعية والتي تدخل ضمن مرحلة المراهقة حيث يمتلك فيها الانسان القدرة العقلية ، والقدرة الانفعالية، بجانب قدرة ثالثة ألا وهي القدرة الروحية، وهذه القدرة قابلة للقياس مثلها في ذلك مثل القدرة العقلية والعاطفية .
ويعتبر الذكاء الروحى أو الارتقاء الروحى مصدر لتوجيه الكفاءات والمهارات فهو البوصلة الموجهة للحياة ؛ ولذلك كان لزاماً علينا اثناء التربية والتنشئة الاجتماعية لأبنائنا الاهتمام بتنمية الذكاء الروحى كأحد أهم المراحل الفارقة في حياة الانسان . واشارة الى ذلك نقول ان الذكاء العقلي ستنتهي مدة صلاحيته بعد مرور فترة قصيرة من الزمن اما الذكاء الروحى فهو ممتد لنهاية العمر
وفي هذا السياق أشار العديد من علماء النفس والاجتماع إلى وجود سبعة أشياء مدمرة تجعل الانسان لا يحيا في تعايش سلمي سواء النفسى او الاجتماعى ولا يستطيع تنمية ذكاؤه الروحي وهى؛ ثورة بلا عمل ، متعة بلا ضمير ، معرفة بلا شخصية، تجارة بلا أخلاق، علم بلا إنسانية، عبادة بلا تضحية، سياسة بلا مبادئ ، وهنا تتحكم الأنا على حساب الجميع وبلا اعتبار لأحد..
وهناك دراسة لزهير 2013 تقول أن الارتقاء والذكاء الروحى الجمعى في المجتمع الحديث منخفضة، وأننا نعيش في صمت روحى؛ فالثقافة السائدة في مجتمع اليوم والتى تتميز بالمادية ، والنفعية، والتمركز حول الذات وانعدام المعنى وقلة الالتزام، ولهذا يمكننا كأفراد أن ننمي ذكاءنا الاجتماعي، الذي يؤدي بدوره إلى زيادة الذكاء الروحي للمجتمع. ويشمل نمو الذكاء الروحي سمو وتفوق في النمو الشخصي، ويمتد ليصل للنمو النفسي الصحي ويبدأ بزرع الثقة، والوعي الذاتي، والصدق، والتواضع، وفعل الخير، والأصالة، واحترام الاختلافات، والرغبة في مساعدة الآخرين، والمسالمة، والميل للعطف والكرم، وهذه السمات توجد أيضاً لدى الأشخاص ذوي الصحة النفسية الجيدة
ولهذا الامر يتعين علينا وخاصة في المرحلة المتقدمة من الجامعة تطبيق برنامج إرشادي لتنمية الذكاء الروحى لدى الطلاب؛ للتغلب على مشكلات هذه المرحلة ومرورها بسلام، وايضاً من أجل مساعدتهم على حل مشكلاتهم التي تعوق حياتهم السوية، ونجعلهم يُظهِرون السلوك الفاضل مثل : التواضع ، والرحمة ، والامتنان ، والحكمة، وتقبل الطموحات غير المحققة بهدف أن يتحول ذكاؤهم الروحي إلى قدرة معرفية واسعة بأمور الدين والدنيا والسعي لتغيير توجهاتهم عن قضايا مختلقة في أمور الدين لا تلائم الفكر الوسطي مثل ظاهرة الالحاد او الفكر الديني المتطرف (جماعة التكفير والهجرة) وذلك من خلال تطبيق عمليات التفكير المنطقى والارتقاء الروحى لتحسين مستوى أدائهم الاجتماعى وزيادة مهاراتهم وقدراتهم للوصول الي تحقيق غاياتهم واهدافهم بنفس راضية وهمة عالية وفي سهولة ويسر، وكذلك التأثير على الآخرين، والتواصل معهم بفاعلية، وكسب ثقتهم ، وتكوين انطباع إيجابي في فهم الحياة، والتعامل مع ما يواجه من مشكلات بشكل سليم، ومرضٍ لدينه، وقيمه، ومجتمعه، ومن ثم الشعور بالسعادة .
والى لقاء أخر قادم فى الصميم .