المقالات

الكُرد الفيلية والهوية المتجددة: تفنيد الاتهامات وتصحيح المسارات

رد على مقال “الكُرد الفيلية والأخطاء القاتلة” للكاتب كامل سلمان

بقلم: بدور الفيلي

 

 

 

نُشر في مجلة المصير، العدد (6)، مقال بعنوان “الكُرد الفيلية والأخطاء القاتلة” بقلم كامل سلمان، تناول فيه ما وصفه بالأخطاء التي وقع بها أبناء المكون الفيلي خلال العقود الأخيرة. وبينما نثمّن أي محاولة لمناقشة واقع هذا المكون المهم في النسيج العراقي، فإننا نرى في المقال طرحًا تبسيطيًا يفتقر إلى التوازن، ويحمل اتهامات لا تستند إلى قراءة موضوعية للواقع السياسي والاجتماعي، بل قد تسهم دون قصد في تحميل الضحية وزر ما جرى لها من تهميش واضطهاد.

أولًا: الهوية ليست شعورًا مؤقتًا بل نتاج تاريخ وواقع

الإشارة إلى أن بعض الكُرد الفيلية تأثروا بدعاية النظام السابق وشكّكوا بأصالتهم العراقية، لا تُعبّر عن ظاهرة عامة، بل عن حالات فردية ناتجة عن عنف ممنهج أدى إلى اقتلاع مئات الآلاف من الفيلية من جذورهم عبر التهجير، وسحب الجنسية، والملاحقة، والمقابر الجماعية. فمن الظلم أن نحمّل الضحايا مسؤولية آثار سياسات الإبادة التي مورست بحقهم. ورغم ذلك، فإن الكُرد الفيلية ظلوا متمسكين بأرضهم، وعاد كثير منهم بعد 2003 رغم قساوة الظروف. وهذا وحده دليل على ارتباطهم العميق بالعراق.

ثانيًا: التنوع الثقافي ليس خيانة للهوية

الانتقادات الموجهة إلى الفيلية الذين تأثروا ببعض العادات العشائرية أو اللهجات الجنوبية تُعبّر عن سوء فهم لمعنى الهوية الثقافية. فالتفاعل مع محيطنا العربي ليس تنازلًا عن الأصل الكُردي، بل انعكاس لتاريخ طويل من التعايش، خصوصًا أن معظم الفيلية يعيشون في مناطق مختلطة تمتد من بغداد إلى الكوت والعمارة. الهوية ليست معزلًا ثقافيًا، بل هي قدرة على الحفاظ على الجوهر مع التفاعل الحضاري مع الآخر.

ثالثًا: الانتماء السياسي ليس نفيًا للذات

الكاتب ينتقد انخراط الفيلية في التيارات الدينية والمذهبية، ويعتبر ذلك تهديدًا لهويتهم القومية. لكن الحقيقة أن المواطن الفيلي، كغيره من العراقيين، يملك حرية الانتماء السياسي وفق قناعته وتجاربه، خاصة أن غالبية الفيلية من الشيعة، وقد وجدوا في بعض الأحزاب الدينية منبرًا للتعبير عن مظلوميتهم بعد سقوط النظام السابق. هذا لا يعني نسيان الانتماء الكُردي، بل هو سلوك سياسي واقعي في ظل نظام ما بعد 2003 الذي تأسس على أساس التمثيل الطائفي.

ثم إن انخراط بعض الفيليين في العمل الحزبي العربي لا يعني غياب البُعد الكُردي، بل قد يُعزز من تمثيلهم في الساحة الوطنية الأوسع. العيب ليس في المشاركة، بل في غياب التنظيم والتنسيق داخل النخب الفيلية أنفسهم.

رابعًا: الهوية الفيلية قوية رغم التحديات

القول بأن مثل هذه “الأخطاء” قد تمحو الهوية الكُردية الفيلية فيه مبالغة شديدة، تتجاهل مدى صمود هذه الهوية رغم كل محاولات الإلغاء التي مورست ضدها. فالمكون الفيلي لا يزال حاضرًا في وجدان العراقيين كمكون وطني شريف قدم التضحيات في كل المراحل. وإذا كان ثمة ضعف في التمثيل السياسي، فإن السبب لا يعود إلى “سلوكيات الشباب الفيلي” بل إلى غياب دعم حقيقي من المؤسسات الحزبية الكُردية والعراقية معًا لهذا المكون.

ختامًا: الهوية مسؤولية جماعية لا فردية

ما يحتاجه الكُرد الفيلية اليوم ليس جلد الذات ولا اتهام الشباب، بل دعم النخب الفكرية والسياسية لهم، والاعتراف بمظلوميتهم، وفتح الأبواب أمامهم داخل الأحزاب الكردية والمؤسسات العراقية الرسمية. كما أن على المثقفين الكُرد، عربًا وكُردًا، أن يبتعدوا عن خطاب اللوم، ويتبنوا خطابًا وحدويًا يزرع الثقة ويعيد للكُرد الفيلية مكانتهم الطبيعية كشركاء في بناء العراق الديمقراطي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار