المقالات

خبيئة الله وطمع الإنسان فى قدره

بقلم أ.د. نيرفانا حسين الصبرى استاذ العلوم الاجتماعية والانسانية

 

 

 

 

رزق الإنسان محتوم لا يصيب غيره، لهذا لن تناله بقوتك او ضعفك ..
“و فى السماء رزقكم و ما تُوعَدون” آيه ٢٢ الذاريات
“قل لن يُصيبَنا إلا ما كَتبَ اللهُ لنا هو مولانا و على الله فليتوكَّل المؤمنون” آية ٥١ التوبه
“قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” آية ٢٦ آل عمران
كلها آيات تؤكد
ان لا تتمنى شئ تراه منقوص منك وتجده مع غيرك ، لا تعلم خبيئة الله للآخر حين رزقه الله ولما اعطاه هذا الرزق ومنعه عنك ، تمنى البركة ولطف الله ان حباك رزق الحياة بكل تفاصيلها وانعم عليك القدرة علي الفهم والعلم والتدبر. هناك اخرين أصحابها يعيشون بمشاكلهم وبمرضهم، لكن ربنا اعطاهم الصبر واعانهم على التحمل حتى لا يظهرون ضعفهم وتقل كرامتهم ويساء فهمهم ونظرتهم ،
والمفاجأة هنا لو علمت بما لديهم تجد نفسك تعلن لا ما عندى ورزقنا به الله أفضل وأحسن .
“و لو بَسَط الله الرزق لعبادهِ لبَغَوا في الأرض و لكن يُنَزَّلُ بقدَرٍ ما يشاء إنه بعبادهِ خبيرٌ بصير” – آية ٢٧ الشورى

الإنسان لو لم يتربى علي القناعة والرضا وعدم الأنانية والنظر دائما لما ينقصه؛ لسلم نفسيا اجتماعيا وشعر ان الحياة الحقيقية يملؤها السعى دون ضرر او ظلم لنفسه، وأن قمة الألم هو الاحساس بالدونية وعدم الرضا بخبيئة الله . وهذا يسرى على الإنسان فى كل مكان ، وعلى الدول ايضا التى تشجع وتتصف بالطمع والاستغلال والنفوذ وتتحكم فى مقدرات الله وخبيئته فى الأرزاق وتتعامل كأنها هى المانع والمعطى وهى الاوحد في الحياة وأنهاالاقوى وتستقوى بما منحها الله على عباده وخلقه .

إن الإنسان وصفه الله بأنه عجول دائما في كل شئ لذلك جعل الحكمة ونعمة البصيرة رزق وجعل البركة جند من جنود الله، وجعل الرضا والقناعة بالمقدرات وخبيئة الله صفة من صفات الإيمان

اقرأوا معى هذه الخبيئة التى أراد الله بها ان نتعلمها ونأخذ منها العبرة

شرطى يحكى كانت طبيعة عملى أتفقد الحالة الأمنية في أحد الأحياء الراقية، و أثناء سيرى رأيت ڤيلا من كُتر جمالها و جمال تصميمها و أشجارها وقفت للحظات انظر إليها واتمنى فى نفسى ان تكون ملكى واعيش فيها لاستمتع بجمالها

ولكن بعد ساعتين جاءنى بلاغ من نفس الڤيلا!!!!!
و كأن القدر يريد أن يقول لى شيئاً وتوجهت على الفور و أنا كُلى شغف ارى الڤيلا من الداخل واعيش فيها ولو للحظات

ولكن ما ان وصلت قابلتنى سيدة صوتها عالٍ، وأسلوب حديثهاغير لائق وبالفعل كانت مدبرة المنزل.. وبدأت تسرد وتشتكي من السيده صاحبة الڤيلا و ابنتها، وعند استوضاح الأمر ذكرت ان صاحبة الفيلا راقده لا تتحرك منذ عشر سنوات وانا بقوم بكل الأشياء بنفسى من خدمة ورعاية وبتربية لابنتها وان فى بعض الأحيان تكون وسيلتى فى التربية هى العقاب بالضرب إذا لم تنفذ ما أقوله

وبطبيعة الحال اصابنى الاندهاش وانا استمع لهذا الاسلوب وهذه الشكوى ، ومما زاد اندهاشى ان صاحبة الڤيلا سيده (من الأشراف) تبلغ من العمر آنذاك ٨١ عام ملازمة للفراش بسبب معاناتها من مرض لعين ، وان هذه السيدة ارملة لرجل وطنى يخدم البلد، ولها من الابناء من هو مهاجر ومن لا يسأل عنها ومن يؤدى واجب الزيارة المادية ويرحل دون اشراف او خدمة بالرغم من مناصبهم الكبيرة، ولها ابنة ما زالت تعيش مع الام فى الفيلا تبلغ من العمر ٤٢ عام ولكنها مع الأسف تعاني من خلل عقلي تام (جنون)!!
وبعد هذا الوصف طلبت الحديث مع السيده صاحبة المنزل لاجدها على فراشها، و بصوت خافت كان هذا الحوار:

انا يابني طلبت من الشغالة تبلغ الشرطة وتعمل بلاغ فى ابنتى لتأتى هنا واتكلم مع ضابط

ثم بكت بكاءا شديدا
وقالت انا يابني فاضل لى في الدنيا أيام وهرحل وخايفه على بنتى من غدر الزمن والحياة والناس مثل مدبرة المنزل لأن بنتى للأسف جالها مرض عقلي و هتفضل دايما بعقلية طفله في عمر الخمس سنوات تقريباً.. فقلت لها ممكن تغيير الشغالة او التحفظ عليها ، فردت بمنتهى الألم.. لا يابنى للأسف ماقدرش استغنى عنها لأنها هي التى تقوم بخدمتنا و معنا من سنين، لكن بعد موتى لست متأكده ممكن تعمل ايه فى بنتى ، وكما علمت اولادى لا اراهم كثيرا وزيارتهم تكاد تكون غير منتظمة وووو…..وقالت أكثر من ذلك
فأصابنى الذهول ولحظات من الصمت وقلت كانسان امام انسان ضعيف يحمل من الالم فوق طاقته ، من مرض ونكران الجميل ومشكلات نفسية وجسدية.
(مع اننى عندما شاهدت الفيلا اعتبرته يعيش فى الجنة وفى قصر مشيد)
وهنا قلت سأتدبر الأمر بشأن ابنتك ، ووعدتها بأننى سأقوم بالمساعدة على قدر جهدى وعملى، وبدأت بالفعل بالمبادرة فى تقديم المساعدة لابنتها فى أحد المستشفيات وتعنيف الشغالة التي استغلت ضعف اصحاب الفيلا وفرضت نفوذها عليهم وسيطرتها وتزعمت المواقف لكونها لم تجد رادع ولا مانع، بل تمادت فى الإيذاء والعنجهية بأنها الاقوى ومن تملك المقدرات.

هذه القصة المعبرة تدور فى اذهان الجميع عندما ينتابنا عدم الرضا والقناعة بخبيئة الله واقداره والنظر فقط الى غيرنا دون السعى الى تحسين انفسنا اوتطويرها، اواستكمال الناقص فيها للقضاء على طمعها وجشعها، او تقديم المساعدة من خلال التضامن والتعاون سواء بالعمل او القول او الفعل، فالجميع يحتاج لبعضه البعض (وفوق كل ذى علم عليم) لذلك جعلنا الله درجات لتقوية انفسنا بالقوى والضعيف والغنى والفقير والجاهل والعالم

ليتنانكون قد فهمنا ما بين السطور وعلمنا معنى خبيئةالله واقداره….
والى لقاء قريب فى الصميم بإذن الله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار