أبناء الحمامة والمنافع
بقلم: خليفة الشرقي
إلى الذين تربّوا في مزارعي وبساتيني…
أكلوا وشربوا حتى التخمة،
ارتشفوا الماء من جداولي،
وتفيّؤوا بظلال الزيتون والرمان،
كبروا بين أعشابي، وتغذّوا من ثمري،
حتى اشتدّ عودهم، وامتلأت قاماتهم قمحًا وعنبًا…
لكنهم…
حين اشتدّ ساعدهم، نسوا الطعم،
نسوا اليد التي غرست، والروح التي سقت،
ونسوا أن الفاكهة لا تثمر بلا عرقٍ يسقيها،
ولا الزيتون يضيء بلا نارٍ تحرق خشبه…
ماذا أقول لهم؟
أيّ خطاب يكفي من فقدان الذوق؟
لقد صرتم أبناء منافع،
تتبعون الريح حيث تميل،
وتبيعون ظلال الأمس بثمن بخس،
كأنكم لم تذوقوا يومًا حلاوة التين،
ولا مرارة العرق الذي أنبتها…
يأتي يومٌ…
تدركون فيه أنكم فقدتم طعم الحياة،
يوم تعضّون على الفراغ،
وتبحثون عن زيتونة تعطيكم نكهة الوفاء،
فلا تجدون إلا حجارة صمّاء تحدّق إليكم باحتقار…
حينها ستعرفون…
أن الأرض لا تخون،
لكنّ الخيانة تنبت أحيانًا في القلوب،
وأن البساتين لا تنسى أبناءها،
حتى وإن نسوها…
وكما أولاد الحمامة…
حين يكبرون يتركون أمّهاتهم وآباءهم،
كذلك أنتم تركتم جذوركم،
غير أن الفرق كبير:
ففي عالم الطيور هو ناموس حياة،
أما في عالم الإنسان… فهو فقدان للوفاء…
{وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ} [الصافات: 24]
فليحفظنا الله من أن نكون أبناء منافع،
وليزرع في قلوبنا زيتونةً لا تنطفئ،
وزهرَ وفاءٍ لا يذبل…
فالعاقبة للقلوب التي لم تنسَ جذورها،
وللأرواح التي لم تساوم على طعم الحياة…