حين يصبح الخوف تربية… ويُعدّ الفكر جريمة
بقلم: نرجس الشجيري
كارثة أن تُربّى الأجيال على الخوف، كما رُبّينا نحن.
الخوف الذي يُجيد التقمّص: تارةً بأسم الحِرص، وتارةً أخرى تحت عباءة الدين، وأحيانًا بمنطق العيب والناس ،
تمضي سنوات الطفولة والمراهقة على أكتاف هذه الأصوات المرتجفة، حتى نبلغ مرحلة الوعي فنصطدم بالحقيقة : أن من ظنناهم الأحرص على مصلحتنا، لم يكونوا سوى عاجزين عن مخاطبة عقولنا، فاختاروا الطريق الأسهل: الكذب ولقد لجأوا إلى الخرافة لا إلى الفكرة، إلى الترهيب لا إلى الحوار، فقط لأنهم لم يمتلكوا أدوات البناء الفكري ولطمس عجزهم، أعادونا نسخًا مكررة عنهم: بلا لون، بلا جوهر، بلا فكر ، نسخ
تشبههم في كل شيء، لكنها لا تضيف شيئًا… سوى تكرار باهت، وغلافٍ مُزَخرَف بمضامين تُبرّر العجز التربوي وتُسوّغه ، أن تنشئ فردًا ناضجًا، واعيًا، يفكّر، يناقش، ويبحث ذلك هو النجاح الحقيقي ، اما أن تُخرّج إنسانًا خائفًا، يتقوقع داخل قوالب جاهزة، ويعيش على أفكارٍ مستعارة، فليست هذه تربية بل كسرٌ داخلي مُغلّف بالنوايا الطيبة ، وإن تقدّم أحدهم خطوة، فالفضل يعود لاجتهادات غيره، لا لفكره الخاص بل لوصفة سار عليها بدقة.
أسأل نفسي كثيرًا : لماذا لا يفكّر أغلب الناس خارج السياق الجاهز؟ وهل سبق أن راجع أحدهم يومًا ما يؤمن به؟ وهل فكّر إن كانت أفكاره حقًا له؟
ما دفعني للحديث في هذا الموضوع، هو قربي من فئاتٍ عمريةٍ مختلفة، تتشرنق كلّها على ذات النهج:
قال فلان، وأفتى علّان، ونُقل عن كذا ، وحين أطرح عليهم سؤالًا بسيطًا : وأنت ماذا تقول؟
أجدهم فارغين من الرأي، متشبّثين بمنطق قديم لا يليق بعصرٍ متحوّل سريع لا يحتاج إلى نسخ بل إلى فكرٍ حيٍّ ومتجدد ، ولذلك لا يتقدّمون ، أما يتراجعون، أو يهرولون في أماكنهم، كأنهم على جهازٍ رياضيٍّ ثابت: يبذلون الجهد بلا وجهة وذلك مؤسف جدًا.
وفي الختام نقول: لا يمكن لفرعٍ أن ينهض دون أن يمرّ بالساق، فكيف يعلو الفكر إن لم يمرّ بمرحلة التفكير؟
وإن كانت الفئة التي تُدعى “فئة الفكر” لا تُفكّر…
فمن إذًا سيخلق الوعي؟ ومن سيكسر القيد؟