من امام الشاشة ..الصين وثالوثها النووي
بقلم / فراس الحمداني
في زمن تتغير فيه موازين القوى بهدوء وتحت الطاولة خرجت الصين مؤخرا في استعراض عسكري هو الاضخم منذ سنوات لتعلن للعالم انها لم تعد فقط قوة اقتصادية بل قوة نووية مكتملة الاركان تمتلك ما يسمى بالثالوث النووي الذي لا تملكه سوى قوى عظمى قليلة في العالم .
ثالوث الصين النووي يتكون من القدرات النووية البرية والجوية والبحرية وهو المفهوم الاستراتيجي الذي يعني ان الدولة قادرة على توجيه ضربة نووية من البر عبر الصواريخ البالستية ومن الجو عبر القاذفات الاستراتيجية ومن البحر عبر الغواصات النووية وهذا بالضبط ما اظهرته بكين في استعراضها الاخير حيث عرضت طرازات جديدة من الصواريخ العابرة للقارات من نوع DF وقاذفات استراتيجية حديثة وغواصات قادرة على حمل رؤوس نووية بعيدة المدى .
و لم يكن هذا العرض مجرد رسالة داخلية لتعزيز ثقة الشعب بالحزب بل كان موجها بصمت الى امريكا التي باتت تشعر ان التفوق الاستراتيجي النووي لم يعد مضمونا كما كان منذ نهاية الحرب الباردة كما ان الرسالة كانت الى كل من يراهن على عزل الصين او محاصرتها في بحرها الجنوبي او تايوان او حتى في الحرب الاقتصادية الدائرة منذ سنوات .
ما يميز الصين في هذا الملف انها لا تعتمد الضوضاء الاعلامية ولا التصعيد الكلامي بل تستخدم الرسائل الرمزية والصبر الطويل وتحركات محسوبة بدقة وهو ما يجعل قراراتها اكثر وقعا لانها لا تهدد بل تنفذ ولا تصرخ بل تبني ميدانيا .
والاخطر من ذلك ان الصين باتت تمتلك ما يشبه الردع الصامت اي القدرة على فرض التوازن دون ان تطلق رصاصة واحدة مجرد اعلان قدرتها النووية الكاملة يعني ان الحسابات الدولية لم تعد كما كانت وان اي مواجهة مستقبلية ستكون مكلفة حتى قبل ان تبدأ .
وفي ظل هذا المشهد لا يمكن تجاهل ما يعنيه ذلك للشرق الاوسط كمنطقة تعاني من فوضى استراتيجية وسقوف منخفضة في القرار السياسي فبينما تبني الصين ثالوثا يردع العالم بالكلمة والصورة نجد ان بعض دول منطقتنا ما زالت عاجزة عن امتلاك قرار سيادي مستقل او حماية حدودها من جماعات مسلحة او تاثيرات اقليمية ودولية لا ترحم .
وربما ان الاوان ان تدرك دول الشرق الاوسط ان القوة لم تعد رفاهية بل ضرورة وان التوازن لا يمنح بل ينتزع وان من لا يصنع ادوات الردع سيكون دائما ملعبا للاخرين لا لاعبا في الميدان .