سَنواتُ الاشتِباك
عرض/ كاظم العُبيــدي
تأليف/ الدكتور قاسم داود
يُعدّ الكتاب نافذة نطلّ منها على أفكار وتجارب ومعارف الكُتّاب، وهو وسيلة فعّالة لاكتساب المعرفة وتوسيع المدارك. وفي هذا العرض، سنتناول كتابًا مهمًا ترك بصمة واضحة في مجاله، سواء من حيث مضمونه أو أسلوب كاتبه أو أثره في القرّاء. سنستعرض أهم محاوره، ونحلل فكرته الرئيسة، ونقيّم مدى نجاح المؤلف في إيصال رسالته، مع الإشارة إلى أبرز النقاط التي تميز هذا العمل الرصين في ” سَنواتَ الاشتباك”.
أبعد من التدوين الشخصي , عميقاً في التواصل مع وجع المنافي ونجد الجرأة والمصداقيّة التي تناولها المؤلف بشكل قصصي تشدّ القارئ لمتابعة جميع فصول الكتاب
“من الجفنِ الى الخدِ خيط قصير ومن الحزن الى الدمعة سماء تطير فيها العصافير”.
اطلالة كبيرة ومؤثرة يرفد بها المكتبة العراقية الدكتور قاسم داود بكتابه القيّم والمُميّز في كل محتوياته . ان ما سيقرأه القارئ العراقي والعربي أبعد من التدوين الشخصي، عميقاً في التواصل مع وجع المنافي وحكاية طويلة في الجهود والمؤتمرات والأحلام والأمنيات والطموحات والإخلاص لتراب الوطن، وسفراً امتد لأكثر من أربعة عقود من العمل المستمر مع مختلف مؤسسات المجتمع الدولي في مهمة هي الأصعب لإسقاط أعتى دكتاتورية شهدها تاريخ العراق السياسي منذ مئة عام وقد عملنا خلال هذه الفترة بكل ما أوتينا من قوة من أجل إقناع العالم أن إسقاط هذا النظام يمثل ركيزة أساسية من ركائز الأمن والسلم الدوليين ومنطلقاً لتحرير العراق من سلاسل جهاز أمني كبّل العراق بأغلال الخوف وأبعده عن دوره النوعي كملتقى للقيم الإنسانية ومركزاً للتجارة الدولية ومحوراً مهماً في المنظومة العربية والاقليمية.
في اللحظة التي سقط فيها النظام (التاسع من نيسان 2003) شعرت أن المسؤولية ستتضاعف وأن الأمانة لا تتحملها إلا النفوس المرتفعة وأن الديموقراطية هي الهوية الجامعة وليست الهويات الفرعية.
جاء في الاهداء: ان المؤلف كان صريع لوعة وغياب ابيه الذي غادره باكراً ،وعمره 37 عاما وكذلك منحَ الفضل الكبير لأمهِ التي تعهدت بالتربية الصالحة ، واخوته الذين كابدوا مصاعب الحياة . وزوجته التي وقفت بكل شموخ الى جانبه ,والى اولادهِ الذين وصفهم بممراته الى السعادة .
كانت سيرة حياة المؤلف منذ طفولته مليئة بكثير من المصاعب والمشاق نتيجة التنقل بين مدن العراق كون والده آنذاك كان قائمقام الهندية وقد توفي وعمر المؤلف 8 سنوات . حيث كانت ولادته عام 1949 .
اراد الدكتور قاسم داود ان يُقدّم للقارئ الكريم هذا الكتاب ويأمل ان تكون اورقه اصواتا اخوية صادقة في الحفاظ على الوطن وحمايته من حيتان الفساد والتآمر , والالتفاف على انجاز عشرا الألاف من الضحايا الذين قدموا انفسهم قرابين ثمنا للحرية.
اكمل المؤلف دراسته في محافظة النجف الاشرف برعاية والدته واكمل الابتدائية والمتوسطة والاعدادية وتخرّج من كلية العلوم جامعة بغداد ومن ثم سافر الى لندن لإكمال دراسته هناك.
الذكريات التي حملها المؤلف عن انقلاب البعث عام 1968 وكان عمره 17 عاما حيث كانت مُرة وأليمة كما يصفها ,حيث استولى الحزب على السلطة عام 1963 بعد انقلاب 14 رمضان.
وقد اكد المؤلف ان هناك رجال في حياته لا يمكن ان ينساهم وهم: سعد صالح جبر وقد التقى به في لندن . وكذلك جلال الطالباني ومحمد باقر الحكيم و ابراهيم الجعفري واحمد الجلبي وغيرهم من الشخصيات الذين كانوا في المعاضة ضد نظام صدام آنذاك .
وقد اشاد المؤلف بالدور الكبير للدكتور اياد علاوي الذي وصفهُ برجل الدولة وهو في المعارضة العراقية كان خطابه ثوريا ويحمل مشروع الدولة في مواجهة سلطة القرية والحزب والاسرة والفرد .
وقد تطرّق المؤلف الى دخول الامريكان وتشكيل نظام الحكم في العراق .
وقد شغل الدكتور قاسم داود منصب وزير الامن الوطني بعد ان اكد انه خرج من ذهنية المعارضة والدخول في ارضيات بناء الدولة ، واشار الى بروز لوحة من التحديات امامه ومفهوم واسع للأمن الوطني تتداخل فيه كافة المستويات.
وفي النهاية قال المؤلف: وانا اقف على اعتاب الثمانين , استعيد مراحل العمل الوطني واسافر بعيدا في القرن الماضي واقف عند الفتى ذي السنوات الثمانية وهو المطعون برحيل ابيه المبكر عن الدنيا واحدق بعيون الباكي على نعش والده في بيارق القبائل العراقية. وكان الاشتباك سمتي والاخلاص لهذا الشعب وقضيته الوطنية عنواني وما بين السمة والعنوان في المسيرة التي امتدت لأكثر من اربعة عقود مضيت كما مضى المناضلون والشرفاء والمخلصون على ان حلم قيام الديمقراطية في الدولة التي تمنينا قيامها ظل حلمي الوحيد وقراري الذي لم احد عنه ايمانا مني ان اصلاح عيوب سنوات القهر والجبروت والظلم والاستبداد تكمن بقيام النظام الديمقراطي.