المقالات

المجمعات السكنية….طموح لا يلبي امنيات الفقراء

زهراء خلف

 

 

 

في بلدٍ يعاني منذ سنوات من أزمة سكن خانقة وأرتفاع في أسعار الايجارات والعقارات طُرحت المجمعات السكنية كأحد الحلول لمواجهة هذهِ الأزمة فحينما  نسمعُ عن مشروعِ سكني متكامل في العراق نتخيل مجمعاً نظيفاً، خدمات متوفرة ،بيئة آمنة تليق بالعيش فكثيراً مانسمع ” كُل ماريده بيت يحويني أنا وأطفالي “عبارة يرددها ملايين العراقيين الذين يلاحقهم حُلم السكن الكريم في ظل واقع أقتصادي صعب ومع تصاعد الازمة ولدت المجمعات السكنية كأمل جديد ولكن سرعان ماتحول هذا الحلم “الحلم المعاصر الى تساؤل ،هل فكرَ أحد فعلاً بالمواطن البسيط ؟وهل وفُرت تلك المجمعات بأسعار مناسبة للفئات من ذوي الدخل المحدود والذين يعانون من أزمة حقيقة في السكنِ ؟هل تم تطبيق المفاهيم النظرية التي نقرأُ عنها في دراسات الإسكان من عدالةٍ في التوزيعِ وشمول أجتماعي ،تنمية حضرية حقيقية ام اننا أمام مشاريع تجارية صُممت للربح فقط دون أعتبار للبعد الإنساني والتنموي ؟وهنا يجب أَن يُسلط الضوءُ على ابرزِ الجوانبِ التي تم تَجاهُلها مِنَ الأسعارِ الى جودةِ الحياةِ ولِنفهم لِماذا لم تَكُن هذهِ المجمعاتُ بحجمِ الطموحِ ؟

فالزخم الكبيرُ الذي رافقَ الإعلانَ عن عشراتِ المُجمعات ِالسكنيةِ في العراقِ خلالَ السنوات ِالماضية، وبالرغم من أَن الهدفَ المفترض من إنشاءِ المجمعات السكنية هو توفيرُ سكنٍ بأسعارٍ مُناسبةٍ، إلا أن الواقعَ يروي قصةً مغايرةً. فمعظمُ هذهِ المشاريع موجّهة لفئة محددة من المجتمعِ، بأسعارٍ تبدأ من أرقام لا تتناسب مع دخل شريحةٍ كبيرةٍ من المواطنين، خصوصاً الموظفينَ وأصحابِ الأعمالِ البسيطةِ ، أما برامج التقسيط، فغالباً ما تكون مرهقةً، بمقدمات مرتفعةٍ وأقساطٍ تمتد لعقودٍ للمواطن العراقي البسيط؟ فالحقيقةُ تُشيرُ إلى أن معظمَ هذهِ المشاريع لم تُصمّم لتلائم ذوي الدخل الُمحدود، لا من حيث الأسعار ولا شروط الدفع. فقد رُبطت الوحدات السكنية غالبًا بشركاتٍ استثماريةٍ تهدفُ إلى الربحِ أولاً، وابتعدت عن منطقِ العدالةِ السكنيةِ الذي يفترضُ أن يحكمَ مشاريع كهذهِ في بلدٍ يعُاني من فجوةٍ سكنيةٍ تتجاوزُ ثلاثةَ ملايينَ وحدةٍ، أَمّا من ناحية آخرى ُيفترض أن توفّر تلكَ المجمعاتُ السكنيةُ بيئةً متكاملةً للسكنِ، من ماءٍ وكهرباءَ وصرف ٍصحي إلى مدارس ِوأسواق وحدائق. لَكنْ في العراقِ، كثيرٌ من تلكَ المجمعاتِ أُنجزت بعماراتٍ فقط، دونَ بنيةٍ تحتيةٍ متكاملةٍ. يسكنُ الناسُ في مبانٍ حديثةٍ، لكنهم يواجهونَ انقطاعاتٍ الكهرباءِ، وشُحّاً في المياهِ، وطرقاتٍ غيرَ معبّدةٍ، بل وحتى غيابَ الأمنِ والخدماتِ الطبيةِ، أَمَّا من حيثِ تطبيقِ الجوانب النظرية فيمكن أَن نُجزمَ بأنها لا أَو على الأقل لم تطبقْ بالشكلِ الكامل والمتوازن ،فكثيراً ماسمِعنا أو قرأنا أَن هُنالك مجموعةً من المبادئِ الاساسيةِ والتي تُعتبر ركائزَ لأَي مشروعٍ سكني ًناجحٍ مثلاً العدالةُ في التوزيعِ المَكاني ممَّا يعني أَن توزعَ المجمعاتُ جغرافياً بما يخففُ الضغطَ على المدنِ ويَخلقُ توازناً بين المركز وَالاطرافِ ،كذلكَ الدمجُ الاجتماعيُ والذي يعني أَن تستوعبَ المجمعاتُ مختلفَ الفئاتِ الاجتماعيةِ وتمنعَ التمييزَ الطبقي أو العزلَ ، توفرُ الخدماتِ والبنيةِ التحتيةِ، الاستدامةُ والتكاملُ الحضريُ القدرةُ على التمليكِ وأَن تكونَ الاسعارُ مدروسةً ومناسبةً لشرائح واسعةٍ من المجتمعِ ، لكنَ معظمَ المشاريعِ السكنيةِ في العراقِ طَبقت الشكلَ، لا المضمونَ. نُفَّذت عماراتٌ سكنيةٌ، وطرقٌ ممهدةٌ داخل المجمع، وأحياناً صالةٌ رياضيةٌ أو حديقة صغيرةٌ  دونَ أَن تراعي التوزيعَ العادلَ للمشاريعِ حيثُ تتركزُ معظمها في المدنِ الكبيرةِ دونَ تخطيط شمولي ،البُنى التحتيةُ إِما ناقصة او غائبة كلياً ،والخدمات المرافقة التي يُفترض أن تكون جزءاً من المشروعِ  كالمراكز الصحية والمدارس والمرافق الترفيهية فغالباً ما تبقى حبراً على ورقٍ. وبدلاً من أن تكون هذهِ المجمعات جزءاً من رُؤيةٍ حضريةٍ شاملةٍ، أصبحت كُتلاً إسمنتيةً معزولةً، تُبنى لأغراض تسويقية، وتُسلّم قبل اكتِمالها الحقيقي، النتيجة؟ مشاريع سكنيةٌ تَبتعدُ كثيراً عن مفاهيمِ الإسكانِ التنموي أو الشامل، وتقتربُ أكثر من كونها مشاريعَ تجاريةٍ مغلقةٍ، تُباعُ على الورقِ أكثر مما تُنفّذ على الأرضِ ، هذا الغياب للتنفيذ الواقعي للمفاهيم ِالنظرية يؤكد أن المجمعاتَ السكنيةُ في العراقِ، في معظمها، لم تُشيد على أساس رُؤية إنسانيةٍ وتنمويةٍ، بل وُضعت على مسطرةِ الربح التجاري، وهو ما يُفسر فجوة الثقة المُتزايدة بين المواطن وتلكَ المشاريع وهذا السبب الجوهري في عدم ِمراعاة المجمعاتِ للطموحِ المطلوبِ، حَيثُ يَكمنُ ذلكَ في غيابِ الرؤية التنموية المتكاملة. فالمشاريع السكنية الناجحة لا تُقاسُ بعددِ الشقق أو ارتفاع البنايات، بل بقدرتها على تلبية احتياجاتِ الإنسان اليومية، وتأمين بيئة متوازنة ومستقرة. في العراقِ غالبية المجمعات تم تنفيذها من قبل شركات تهدفُ إلى الربحِ السريعِ، دونَ أن تكون هناك معايير ملزمة تتعلق بجودةِ البناء، أو البُنية التحتية، أو التخطيط الحضري. لم يتُم إشراكُ المجتمع المحلي في صياغةَ التصور العام لهذهِ المشاريع، ولم تدرسْ تأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية بشكلٍ كافٍ. كما أَن  غيابَ الدور الرقابي والتخطيطي سمحَ بتنفيذ مشاريع غير متجانسةٍ، بعيدةٍ عن مراكزِ الخدمات، أو في مناطق تفتقر إلى الأمنِ والمواصلاتِ، مَا حَوّل السكن إلى عبءٍ إضافي بدل أن يكون حلاً ببساطة الطموح الوطني كانَ يتطلبُ مشاريعَ إسكانيةً تعالجُ الفجوة الاجتماعية، وتخلق بيئةً إنسانيةً، وتُراعي واقع المواطن العراقي البسيط. أما ما تحققَ على الأرضِ، فهو بعيد جداً عن هذا الطموح، ويدعو لمراجعةٍ حقيقيةٍ تبدأ من التخطيط وتنتهي عند المُساءلة. فَعلَى الرُغمِ من أَن المجمعاتِ السكنيةِ  تَحملُ حلاً نظرياً ممتازاً لازمةِ السكن  في العراقِ إِلا أَن التطبيقَ العَمَلي حتى الآن يُعاني من مشكلاتٍ جديةٍ وبالتالي فالنجاح ُلا يكون فقط  في بناءِ وحداتٍ بل بناءِ مجتمعٍ مستدامٍ منُظم متاحٍ للجميعِ ،ما نحتاجهُ اليوم ليسَ المزيد من الأبراجِ والإعلانات، بل مشاريعَ تخرجُ من رحمِ التخطيطِ الواقعي، وتَخضعُ لمعاييرَ صارمةٍ في الجودةِ والتوزيعِ والخدمةِ والعدالةِ. فالسكنُ ليسَ سلعةً فاخرة،ً بل حقٌ أساسيٌ من حقوقِ الإنسانِ، وأي مشروع ٍلا ينطلقُ من هذهِ القناعة سيبقى شكلاً بلا روحٍ، وجداراً بلا حياةٍ ، ويبقى السؤالُ قائماً: متى يصبحُ للمواطنِ صوتٌ في معادلةِ السكن؟ ومتى نرى مجمعاً سكنياً بُني لأجل الناس، لا على حسابهم ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار