التجميل والمكياج… حين يتحوّل من شكر النعمة إلى تزييفها
بقلم: خليفة الشرقي

لقد خلق اللهُ كلَّ إنسانٍ ببصمةٍ جماليةٍ خاصّة،
كما أودع فيه بصمته الجينية التي لا تتكرّر،
فلا وجه يشبه وجهًا، ولا ملامح تُعاد كما هي،
لأنّ الاختلاف مقصود، والتنوّع آية،
لا نقصًا يحتاج إلى تصحيح…
خلق اللهُ الإنسان في أحسن تقويم،
لا ليُعاد تشكيله وفق أذواق السوق،
ولا ليُقاس بجمالٍ موحّدٍ مستورد،
بل ليكون ذاته كما أراده الخالق،
بملامح تحمل هوية الروح قبل أن تحمل شكل الوجه…
وكما خلق اللهُ الإنسان،
خلق الكون جميلًا بلا مساحيق؛
فالسماء لم تتزيّن بمكياج، ومع ذلك أبهرتنا بنجومها،
والقمر لم يُمسّ بفرشاة، لكنه كان كافيًا ليهزم العتمة…
فهل كانت النجوم مكياجًا للسماء؟
أم أنّها جمالها حين تُركت على فطرتها؟
التجمّل في أصله ليس خطيئة،
والأناقة ليست عيبًا،
فالله جميلٌ يحبّ الجمال،
لكن الجمال الذي يحبّه الله
هو جمال الشكر لا جمال الاعتراض،
جمال الاعتدال لا جمال الإسراف،
جمال الصدق لا جمال الأقنعة…
المشكلة لا تبدأ من لمسةٍ خفيفة،
بل من المبالغة،
حين يتحوّل المكياج وعمليات التجميل من زينة إلى قناع،
ومن تحسين إلى تغيير،
ومن ذوق إلى إنكارٍ للملامح التي اختارها الخالق…
حين تُضاف الأطنان من المساحيق وكيلوغرامات من الفلرات،
لا لإبراز الجمال بل لإخفائه،
ينسى الإنسان صورته الحقيقية،
ويعتاد وجهًا زائفًا،
حتى إذا زالت الزينة
شعر بالغربة عن نفسه… وفي صباح جميل.
وهذا خطرٌ أخلاقي قبل أن يكون شكليًا،
لأنّه يزرع كراهية الذات،
ويصنع إنسانًا لا يرضى بما وهبه الله،
ويقيس قيمته بما يُخفي لا بما هو عليه…
ثم إنّ الضرر لا يقف عند الروح، بل يتسلّل إلى الجسد.،.
كثيرٌ من أدوات التجميل
تحمل موادّ مؤذية،
تُتلف البشرة، وتُسرّع الشيخوخة، وتُحدث تشوّهاتٍ وحساسيّات،
فتُدفع صحة الجسد ثمنًا لوهمٍ عابر اسمه “الجمال السريع”…
وهنا يصبح السؤال واجبًا لا ترفًا:
أيّ شكرٍ هذا الذي يُقابل النعمة بالتغيير؟
وأيّ جمالٍ يُبنى على إيذاء الجسد ومحو الخِلقة؟
إنّ التلاعب بالجمال كالتلاعب بالملابس:
ليس كل ما يُلبس يليق،
وليس كل ما يلمع نفيسًا،
وليس كل تغييرٍ تحسينًا…
ولأنّ الجمال مرتبط بالهوية،
فإنّ لكلِّ شعبٍ ذائقته في التجميل، كما أنّ لكلّ ثقافةٍ طريقتها في الاقتراب من الجمال أو الابتعاد عنه…
غير أنّ الخلل يظهر حين يتحوّل التجميل من تعبيرٍ عن الخصوصية إلى تشويهٍ لها، ومن لمسةٍ ثقافية إلى تزويرٍ للملامح…
في البلدان السياحية، يمكن للعين الخبيرة أن تميّز الزائر من بعيد،
لا من لغته ولا من لباسه فحسب، بل من ملامحه التي لم تعد تنتمي إلى أصلٍ واحد…
شفاهٌ تحمل بصمة بيئةٍ ما،
وخدودٌ صيغت على مقاييس بيئةٍ أخرى،
ووجهٌ موزّع بين ثقافاتٍ متعدّدة، حتى يفقد انتماءه الأول والأصيل…
وهنا لا يعود السؤال عن الجمال، بل عن الهوية:
عن الإنسان حين يخلط ملامحه كما تُخلط الألوان دون انسجام،
فيخرج وجهًا لا يشبه تاريخه، ولا يعكس جذوره، ولا يحكي قصته…
لقد أراد اللهُ للإنسان أن يعرف نفسه، ويصالح ملامحه،
ويحفظ بصمته الجمالية، لا أن يُذيبها في قوالب مكرّرة تُفرغ الوجوه من معناها…
فاتّقوا الله في وجوهكم، فهي أمانة، وفي أجسادكم، فهي نعمة.
ولا تجعلوا الزينة وسيلةً لمحو ما خلق الله،
بل إن وُجدت فلتكن لمسةً لا قناعًا، وإضافةً لا تزويرًا…
فما أجمل الإنسان حين يشبه نفسه، وما أفقر الجمال حين يتحوّل إلى نسخةٍ مزيفة بلا أصل…
وأخيرًا، لا نود أن يتحول طب التجميل إلى طب التشويه…