أوتار قيثارة سومر… حين تعزف أنغامها .. سيمفونية ذو ثلاثة أضلاع: الحب والإنسانية والاقتصاد
بقلم: خليفة الشرقي
العلاقات بين البشر ليست مجرد لقاءات عابرة، بل هي موسيقى متواصلة تحتاج إلى قيثارة تضبط إيقاعها…
وفي قلب سومر القديمة، حيث وُلدت أولى الألحان، يمكن أن نتخيّل أن قيثارة خالدة لا تزال تعزف داخل كل إنسان…
أوتارها ثلاثة: الحب، الإنسانية، والاقتصاد…
• الحب: هو الوتر الأول، يضرب على قلب القيثارة فينشر الدفء، ويحوّل اللقاء البشري إلى أنشودة وجدانية… لكنه قد ينكسر إذا تُرك وحيدًا بلا رعاية أو حكمة…
الإنسانية: هي الوتر الثاني، يمدّ اللحن بالمعنى والعمق. فهي التي تصون الحب من الأنانية، وتجعل العاطفة التزامًا يتجاوز الرغبة العابرة… الإنسانية تضبط الانفعال وتحوّله إلى نغمة راقية، تسمعها الأرواح قبل الآذان…
الاقتصاد: هو الوتر الثالث، يربط الحلم بالواقع… فكما تحتاج الأوتار إلى خشبة متينة لتصدح، تحتاج العلاقات إلى سند معيشة يضمن لها الاستمرار… فاللقمة قد تكون أحيانًا أصدق من الشعر، والاستقرار قد يكون أكثر حفاظًا على الحب من الوعود العاطفية وحدها…
وحين يختلّ أحد هذه الأوتار، يتعكّر اللحن، وتفقد القيثارة انسجامها:
فالحب بلا إنسانية يتحوّل إلى امتلاك أناني، والإنسانية بلا اقتصاد تبقى أنشودة عاجزة، والاقتصاد بلا حب ولا إنسانية لا يعدو كونه عزفًا باردًا بلا روح…
لكن مع تناسق الأوتار الثلاثة، يتولّد اللحن الكامل، فتغدو العلاقات سيمفونية متوازنة، تحفظ للإنسان دفء العاطفة، وكرامة الأخلاق، وأمان العيش…
وهذا التناسق ليس بعيدًا عن الروح الإيمانية التي تجعل كل شيء في موضعه، إذ قال تعالى:
{وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ} [الأعراف: 10]،
فالمعاش سند، والعاطفة رحمة، والإنسانية روح، وكلها إذا انسجمت أعطت للحياة لحنها الأجمل…
أيها الإنسان…
احفظ أوتارك كما تحفظ أضلاعك،
فالحب والإنسانية والاقتصاد ليست كلمات عابرة، بل لحنٌ إذا انسجم أعطى الحياة موسيقاها، وبناءٌ إذا تماسك أقام صرحها…
فالقيثارة لا تعزف بلا أوتار،
والمثلث لا يقوم بلا أضلاع،
وكذلك حياتك…
لا تستقيم بلا هذه الثلاثة:
دفء الحب، ونور الإنسانية، وأمان العيش…