أوكسجينات الحياة..سحر دون مقياس
بقلم: خليفة الشرقي

ليس الهواءُ وحدهُ ما يحمينا من الاختناق،
فهناك أنفاسٌ أخرى تنزل من رحمة الخلّاق،
تسكنُ القلبَ قبلَ أن تبلغَ الأعماق،
وتُعيد للروحِ ماءها إذا جفّت،
وللحياةِ لونَها إذا انطفأت…
هي أوكسجيناتٌ خفيّة،
لا تُرى بالعين،
لكن تراها القلوب إذا صفَت،
وتلمسها الأرواح إذا طهَرت،
وتحسّها الأيام إذا اكتملت…
وحين قال تعالى:
﴿المالُ والبنونَ زينةُ الحياةِ الدنيا﴾
لم يكن يصفُ زينةً تُعلّق على جدار،
بل زينةً تُعلّق على الأعمار،
وتنقشُ معناها في لُبّ الإنسان
كما يُنقش القدر على الأسفار…
المال…
ليس معدنًا يُوزَن،
بل سكينةٌ تُسكَن،
ودفءٌ يُوقَد في ليالي المحن…
هو سترٌ إذا تعرت الأيام،
وعزٌّ إذا ضاقت الأقدام،
وصوتُ الكرامةِ حين تقول للحاجة:
“لن تُهينني مهما طال الظلام.”
والبنون…
هُم نَبضُ الأيام إذا خفت النبض،
وربيعُ القلب إذا ذبل العمر،
وخطوةُ الغد إذا تعثر اليوم…
هم ضحكةُ الحياة إذا بكت،
ويدُ القدَر إذا رقت،
ومحرابُ الدعاء الذي لا يُغلق
مهما اشتدت العواصف وطرقت…
هم دمعةُ الفرح حين يكبرون،
وغمامةُ الرحمة حين يشيخون،
ومعنى العمر إذا تاهت المعاني
وتقاسمتها السنين…
وأما الحب…
فهو أوكسجينٌ لا يُقاس،
ولا يُختزن في أنفاس…
هو نورٌ يهبط على القلب،
فيجعله كوكبًا لا يخفت،
وشعلةً لا تنطفيء،
ونجمًا يجرُّ خلفه آلاف النجوم…
الحبّ كلمةُ الله في أرواحنا،
وهمسُه في سرائرنا،
وعهده الذي كتبَهُ فينا
قبل أن نتعلم الحروف والرسوم…
الحبّ ليس قصة،
بل صلاة…
ليس رواية،
بل حياة…
ليس عبورًا،
بل خلودٌ يزرع جذوره في صدر الإنسان
وينسجُ حولَهُ كونًا من الأمان…
وهذه الثلاثية
المال، والبنون، والحب
هي جسدُ الوجود إذا تماسك،
وروحُ الوجود إذا تنفّس،
ومعنى الوجود إذا تفتق…
هي كالأشجار: جذورٌ في الأرض،
لكن أغصانُها في السماء،
وثمارُها في القلب،
وظلالُها على الروح…دون فناء.
من يتنفس الهواءَ وحده
يبقى حيًّا…
لكن من يتنفس أوكسجينات الحياة
يصبح إنسانًا ممتلئًا بالنور،
يمشي على الأرض وقلبه نجم،
وروحه محراب،
وصمتُهُ دعاء،
ويقول للعالم:
“أنا حيّ…
لأنني مغمورٌ بالنِّعم التي لا تُقاس،
ومضاءٌ بالحب الذي لا ينتهي ولا يزول.”
ولكي تستمرّ حياتنا ملتصقة بالسرور والأفراح،
نتمنى ان تكون هذه الاوكسيجنات بصمات في كل خلية من اجسادنا…