عطر الروح وعطر الجسد .. واحدٌ أزليٌّ، والآخر زائل
بقلم:خليفة الشرقي

يا ابنَ التراب، يا من نفخ الله فيك من روحه،
هل تأملتَ يومًا أيُّ العطرين أبقى؟
أعطرُ الجسدِ الذي تزهو به ساعةَ اللقاء والزهو،
أم عطرُ الروحِ الذي يشعُّ إلى ما لا نهاية، وإلى أبد الآبدين؟
إنّ عطرَ الجسدِ وإن غلا ثمنُه،
يذوبُ بالماءِ، وتُذهبه غسلةٌ واحدة،
بل قد يزولُ حتى دون غُسلٍ،
فلا يبقى منه إلا أثرٌ زائلٌ على ثوبٍ أو بشرة،
ثم تمحوه الأيام كما تمحو الريحُ آثارَ الخطى على الرمل…
أما عطرُ الروح،
فهو نفحةٌ من نورِ الخالق في الإنسان،
رائحته صدقٌ، وعبيره إخلاص، وزهرته تقوى وإيمان.
هو العطرُ الذي لا يُشترى من متجر،
ولا يُعبّأ في زجاجةٍ من بلّور،
بل يُسكب من قلبٍ عامرٍ بالإيمان،
من زجاجةِ السماء،
ومن ضميرٍ لا يعرف الخداع ولا الزيف…
عطرُ الروح يعبقُ بعد الرحيل،
يُقال عن صاحبه: كان نقيًّا، كان طيّبًا، كان وجهُه نورًا.
ذلك هو العطرُ الذي تكتبه الملائكة في سجلّ البقاء،
وتحمله نسائمُ الرحمة إلى أبدِ الآبدين…
فيا أيها الإنسان،
احفظ جسدك طاهرًا، فهو وعاءُ روحك،
ولكن لا تنسَ أن الجسدَ فانٍ،
وأنّ العطرَ الحقيقي لا يُغسلُ بالماء،
بل يزدادُ صفاءً كلّما غُسلت النفسُ بدموع التوبة،
وكلّما رُطّب اللسانُ بذكر الله…
فاجعل عطرك الدائم خُلُقك،
وطيبَك الحقيقي عملك الصالح،
وسرَّ جمالك ما يراه الله، لا ما يراه الناس…
ذلك هو العطرُ الذي لا يفنى،
ولا يُنسى، ولا يُشترى،
بل يُهدى من الروح إلى الأرواح،
ويبقى في الذاكرة السماوية،
ما بقيت الحياة وما بعدها…
وخلاصة قولي:
عطر الروح تتنفسه الأرواح
وعطر الجسد تتنفسه الأجسام البالية …