المرأة ذات الوجهين
محمد محمود محمد النجار

في مدينة تنام على الهدوء وتستيقظ على الأسرار، عاشت ليلى — امرأة بجمالٍ لا يُوصف، كأن وجهها خُلق من نور … كانت في النهار ملاكًا يمشي بين الناس: تبتسم، تساعد، وتزرع الطمأنينة، لكن الليل… كان له رأي آخر وجهها يتبدّل….
في النهار، بشوشة كزهرة في الربيع، وفي الليل يتحول وجهها إلى شحوبٍ غريب، ساكن كالقبر، كأن شيئًا مظلمًا يسكن تحت جلدها.
الناس بدأوا يتهامسون:
* “رأيتها عند المقبرة تضحك وحدها!”
* “وجهها كان مختلفًا!”
* “ليلى تخفي شيئًا…”
ثم ماتت عجوز من الجيران، وكانت ليلى آخر من زارها. وبعد أيام، وُجد في دفتر العجوز جملة واحدة:
“ليلى لا تملك وجهًا واحدًا… بل اثنين.”
ارتجف الحي. وحين حاولوا مواجهتها، اختفت. لم تترك سوى مرآة ضخمة في بيتها.
في المرآة، كان وجهها مرسومًا بنصفين:
* نصف يبتسم،
* ونصف يبكي دمًا.
ومنذ ذلك اليوم، يُقال إن من يحدّق في تلك المرآة طويلًا… يرى وجهه ينقسم كما انقسم وجه ليلى.
لكن القصة لم تبدأ هناك.
ليلى كانت رسّامة موهوبة، تعيش مع والدتها في بيتٍ قديم على أطراف المدينة. كانت ترسم وجهًا واحدًا فقط: وجهها. تمضي الليالي أمام المرآة، تهمس:
“لماذا لا يراني الناس كما أنا؟”
وفي إحدى الليالي، زارتها امرأة ترتدي السواد، قالت إنها “جامِعة الوجوه”. عرضت على ليلى فنًا غريبًا: حفظ الأرواح في اللوحات.
ليلى، بدافع الفضول، وافقت.
وفي الليلة التي أنهت فيها آخر لوحة، رأت وجهها منقسمًا:
* نصف بريء،
* ونصف يحدّق بكرهٍ دفين.
ضحكت المرأة وقالت:
“لقد رسمت حقيقتكِ… الآن سيراكِ الناس كما أنتِ.”
ثم اختفت…
ومنذ تلك الليلة، صار وجه ليلى ينقسم فعلاً:
* في النهار: طيبة، حنونة.
* في الليل: حقد، غيرة، ندم
من يراها بعد منتصف الليل، يُصاب بالجنون أو يفقد صوته. وقيل إن وجهها الليلي يتحدث دون أن يتحرك، يهمس بأسرارٍ من ماضٍ مجهول.
وكانت كل لوحة ترسمها تسحب شيئًا من روح صاحبها.
مرت السنوات، وبدأت ليلى تفقد نفسها. لم تعد تعرف من تكون:
* هل هي وجه النهار أم لعنة الليل؟
* هل هي فنانة أم مرآة لوجوه الآخرين؟
وفي آخر ليلة لها، كسرت مرآتها، وسال الدم كما يسيل الحبر من فرشاة رسّام.
كتبت على الجدار:
“لا تثقوا بالوجوه… فكل وجهٍ يخفي آخر.”
ثم اختفت..وبقيت المرآة.
يُقال إن من ينظر فيها اليوم… يرى وجهه الحقيقي، لا كما يتظاهر به.