جمال الأجساد بين المبالغة والتشوه الفكري: قراءة ساخرة في زمن “الخلفيات والأماميات”
بقلم: خليفة الشرقي

في المجتمعات المعاصرة، أصبح السعي نحو “الجمال المثالي” هوسًا جماعيًا تجاوز الحدود المعقولة، ليمتد من تحسين الملامح إلى إعادة تشكيل الأجساد بالكامل. لم يعد التجميل مقتصرًا على معالجة عيوب بسيطة، بل تحول إلى سباق محموم نحو نموذج جمالي واحد، تكرّس عبر الشاشات ومنصات التواصل، حتى بات الناس نسخًا شبه متطابقة لا يكاد يُميز فيها الفرد عن الآخر.
عمليات نفخ الشفاه، ورفع الوجنتين، ونحت الخصور، وتكبير “الخلفيات والأماميات” أصبحت من أبرز ملامح هذا العصر. لقد تغيّرت تضاريس الجسد الإنساني بشكل صارخ، وصارت ملامحه أقرب إلى قوالب صناعية موحّدة.
فأختلفت تضاريس الوجوه وألاجساد وأخذت تتشابه دون التمييز بين الشخصيات …
فالشفتين أصبحتا عقال الرأس دون تشبيه…
اما الخدود فأخذت تماثل خدود الدميات …
وأما الخشوم فاصبحت صفارات إنذار…
“اما الخلفيات” — التي يروَّج لها على أنها معيار الجاذبية الجديد فمن الطريف والمحزن في آن واحد— فقد أصبحت مدافع مجازية نواجه بها أعداء الأمة: الإمبريالية، الصهيونية، وكل خصوم الحضارة! .
ومع كل هذه التحولات، لا بد من أن نطرح تساؤلًا جادًا:
هل أصبحت هذه “الخلفيات” تحمل وظائف اجتماعية؟
يُقال — وبشيء من السخرية المغلّفة بالحكمة — إنها تفيد في اللقاءات المختلطة؛ حيث تعمل كحاجز طبيعي يفصل بين الرجال والنساء دون احتكاك أو تماس مباشر! بل وتتحول إلى وسادة وقائية، ففي حال السقوط — لا قدّر الله — فإنها تخفف الصدمة، وتمنع كسور العظام وتهشّم الأضلاع، مما قد يُعتبر من منافع التجميل غير المقصودة!
لكن خلف هذه الفكاهة السوداء، تكمن مأساة فكرية أشد عمقًا: فبينما انشغل الناس بإبراز الخلفيات وتضخيم الأماميات، غاب الاهتمام بجوهر الإنسان: العقل. أهملت العقول، وتركت في مهب التفاهات الرقمية، وأُغرقت في دوامة الهوس بالمظاهر، حتى بدأت بوادر انهيار فكري وأخلاقي تتجلى في تصاعد القلق، والكآبة، والتشتت النفسي، وانفصام الشخصية.
وهكذا نرى الإنسان المعاصر، رغم تقدّمه التقني والفني، يعاني من انحدار أخلاقي وروحي كبير. فتجميل الجسد بلغ أعلى درجاته، لكن تجميل الفكر بقي مهملًا، ومُهمشًا.
إن ما نحتاج إليه اليوم ليس “نحت الخلفيات” بل “بناء الخلفية الفكرية” للإنسان، واستعادة التوازن بين الظاهر والباطن. فالعين التي تُبهرها التفاصيل الجسدية، بحاجة إلى عقل يُدرك، ويختار، ويزن، ويحب بجمال أعمق.
ونقول في الختام:
جمال العقول أولًا، ثم جمال الأجساد…
أما هوس التجميل الذي اجتاح مجتمعاتنا، فهو بحاجة إلى مراجعة، قبل أن يتحول إلى واجهة ثقافية تعكس ضحالة الوعي أكثر مما تعكس الذوق الجمالي.