المقالات

سلبيات مثلث الحياة وإيجابياته

بقلم: خليفة الشرقي

 

 

 

 

تسير حياة الإنسان في رحلة قصيرة تتقاطع فيها ثلاث محطات كبرى، تشكّل ما يمكن تسميته بـ مثلث الحياة: المستشفى، والسجن، والمقبرة…
هي محطات مختلفة المظهر، لكنها متشابهة في الجوهر، إذ تجتمع جميعها على تذكير الإنسان بحقيقته الأولى: أنه ضعيف أمام القدر، محدود أمام الخالق…
ولكل زاوية من هذا المثلث سلبياتها وآلامها، لكنها أيضًا تحمل في طياتها دروسًا بليغة لمن تأمل وتفكّر…
أولًا: المستشفى — حين يفقد الإنسان صحته

المستشفى هو المكان الذي تنهار فيه أوهام القوة، وتتعطل فيه صفقات الحياة اليومية…
على سرير المرض، يسقط الجاه، ويذوب المال، ويكتشف الإنسان أن أعظم نعمةٍ مُنحها هي الصحة…
فما كان يجري إليه في دنياه، يصبح لا قيمة له حين يتوقف القلب أو يضعف الجسد…

هناك، حيث تختلط أنفاس الأمل بالوجع، يتعلم الإنسان أن الشكر لله واجبٌ في كل لحظة، مصداقًا لقوله تعالى:
“وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا” (إبراهيم: 34)…

وسلبيات هذه المرحلة أنها تُعرّي الإنسان من زهوه، وتضعه وجهًا لوجه أمام ضعفه، لكنها أيضًا تفتح له باب التوبة، وتذكّره بأن كل لحظة صحة هي فضل من الله لا يدوم إلا بذكره…

ثانيًا: السجن — حين تُسلب الحرية
السجن لا يعني دائمًا الجدران الحديدية؛ فكم من إنسانٍ يعيش في سجنٍ من خوفه، أو من شهواته، أو من ذنوبه…
غير أن السجن الحقيقي يبقى أقسى مظاهر فقدان الحرية، فيه يتجرع الإنسان مرارة العزلة، ويتأمل معنى العدل والرحمة، ويتعلم أن الحرية الحقيقية هي حرية الروح لا الجسد…

في عتمة الزنزانة، يقترب بعض الناس من الله أكثر مما فعلوا في سعة الدنيا…
فكم من أسيرٍ وجد حريته بين يدي الله، وكم من حرٍ غفل عن نداء الإيمان وهو طليق…
قال تعالى:
“فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا” (الشرح: 6).

وسلبيات السجن أنه يكشف قسوة الناس وظلم الدنيا، لكنه في الوقت نفسه قد يكون بابًا إلى التوبة، ومقدمةً لإعادة صياغة النفس على نور الإيمان…

ثالثًا: المقبرة — حين تنتهي الرحلة
المقبرة هي الزاوية الأخيرة من مثلث الحياة، حيث يهدأ الجسد ويبدأ الحساب…
هناك، لا مكان للألقاب ولا للمناصب، بل لموازين الحق التي لا تميل…
في ذلك السكون العميق تنطفئ كل ضوضاء الدنيا، وتُفتح صحائف الأعمال، فيرى الإنسان حقيقة ما قدّم، وما أخّر…

قال تعالى:
“كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ” (آل عمران: 185)…

وسلبيات هذه المرحلة أنها تقطع الإنسان عن دنياه وأحبابه، لكنها أيضًا تُنهي كل تعبٍ وهمّ، وتفتح بابًا للقاءٍ أبديّ مع رحمة الله لمن أطاعه، أو لحسابٍ عادلٍ لمن عصاه…

الخلاصة: من السلبيات تولد البصيرة

إن مثلث الحياة وسلبياته ليس دعوةً للتشاؤم، بل هو مرآة تعكس حقيقة الإنسان في ضعفه وقوته…
ففي المستشفى يتعلم الشكر،
وفي السجن يتعلم الصبر،
وفي المقبرة يدرك أن الدنيا ممرّ لا مقرّ…

وهكذا، من خلال هذا المثلث، تتجلى حكمة الله في تربية القلوب، ليفهم الإنسان أن الراحة ليست في وفرة المال أو الجاه، بل في رضا الله، فهو المبتدأ والمنتهى، وهو السلام بعد كل تعبٍ، والعدل بعد كل ظلم، والنور بعد كل ظلمة…

فطوبى لمن جعل من مرضه مدرسة صبر،
ومن سجنه لحظة توبة،
ومن موته بداية حياةٍ أبدية في رحمة الرحمن…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار