المقالات

القلب والعقل… أيهما أوسع في الحب؟ والسعادة ثمرة القلب …والعقل

بقلم: خليفة الشرقي

 

 

 

 

الحبّ بحرٌ لا تحدّه شواطئ، ومركبٌ لا يبحر بلا مِجداف…
فإذا كان القلب هو البحر، فإن العقل هو المجداف الذي يوجّه المسار. والسؤال الذي يراود كل عاشق: أيهما أوسع في الحب… القلب أم العقل؟

القلب هو المحطة الحيوية للحب، هو الخزانة التي تختزن الذكريات، وهو الينبوع الذي يتفجر بالشوق والحنين. حين يحبّ، يتّسع حتى ليضيق عنه الجسد، وتغدو دقاته كأنها انفجارات كونية… لكن الخطر يكمن حين يركض وحده، بلا عقلٍ يرشد، فيتحول من نعمة إلى نقمة، ومن دفء إلى احتراق. هنا يسقط العاشق كما سقط قيس في جنون ليلى، عاشقًا حتى الفناء…

أما العقل، فهو مقياس الموازنة، ميزانٌ يحاول أن يضبط انفعال القلب. هو ليس أوسع في الحب، بل أضيق لكنه أرسخ. فالعقل لا يعرف الشطح، بل يعرف التقدير والتخطيط، يضع للحبّ حدوده كي لا يصبح سجنًا أو هلاكًا. لكنه أحيانًا يتجمّد، فيترك القلب يتيه وحيدًا في فضاء العاطفة…

الفلسفة تعلّمنا أن الحب بلا عقل كالنار تحرق صاحبها، وأن العقل بلا حب كالماء البارد يروي لكنه بلا طعم. والحكمة تخبرنا أن أجمل القلوب ما استنارت بحكمة، وأجمل العقول ما امتلأت رحمة…ومن جمع بين القلب والعقل عاش إنسانًا متوازنًا، لا مجنونًا ولا متحجرًا…

أما الدين، فقد جعل القلب محلّ الإيمان: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 89]، والعقل محلّ التمييز والتكليف: {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}. فلا قيمة لقلب مريض بلا عقل، ولا معنى لعقل ضائع بلا قلب. وقال النبي ﷺ: “إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم”. فالقلب هو الجوهر، والعمل ثمرة العقل…

إذن، القلب أوسع في الحب من حيث الامتداد، والعقل أوسع من حيث الحماية. القلب بستان الحب، والعقل سياجه…
وما أجمل البستان إذا كان له سياج يحفظه من الرياح والعواصف والزلازل…

وخاتمتي اقول:
يبقى الحبّ سرًّا لا يُختزل في عقلٍ ولا يُحتكر في قلب. هو نداءٌ أبديّ يسكن بين نبضة ونسمة، بين دمعة وابتسامة… فإذا سار القلب في دروب الهوى بلا عقل، ذاب كشمعة في مهب الريح…وإذا سار العقل بلا قلب، عاش كحجرٍ بارد على قارعة الطريق…
أمّا إذا التقت الحكمة بالحنين، والعقل بالعاطفة، وامتدّ الإيمان ليعانق الوجدان… عندها يولد الحبّ الذي يُنير الدرب، ويُزهر العمر، ويقود إلى السعادة في الدنيا والرضوان في الآخرة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار