المقالات

النخلة والإنسان… فلسفة الجذوع والسيقان والكرب والشعر يتساقطان…

بقلم: خليفة الشرقي

 

 

النخلة، رمز العطاء والخلود في صحراء الحياة، تكشف لنا سرًّا عجيبًا مع مرور السنين: كلما ارتفع طولها وامتدّ عمرها، أخذ كَربها يتساقط شيئًا فشيئًا حتى يصبح جذعها أملسَ جرداء، وكأنها تخلع ثوبها القديم لتواجه الزمن بجسدٍ عارٍ من الزوائد…

وإذا أمعنّا النظر، نكتشف أن تشريح جذع النخلة يقارب في بنيته تشريح جذع الشعرة في الإنسان؛ فكلاهما طبقات دقيقة متماسكة يكسوها غطاء يتساقط أو يضعف مع تقدّم العمر…

والإنسان بدوره يعيش التجربة نفسها، لكن على قدميه وساقيه وجذعه؛ فمع تقدّم العمر يبدأ الشعر في التساقط والزوال تدريجيًا، وخاصة بعد بلوغ العقد الخامس، حتى تصير الساقان ملساوين كما تصبح جذوع النخيل خالية من الكرب…
أما تساقط الشعر من الرأس فهو في الغالب وراثي، وليس مرتبطًا مباشرة بالعمر، وهذا ما يميز الإنسان عن النخلة…

إنها مفارقة عجيبة: ساقا الإنسان وجذعه وجذع النخلة، جميعها تفقد غطاءها مع تقادم السنين، فيتشابه المسار رغم اختلاف الطبيعة، وكأن الزمن نفسه يمارس عملية “تشذيب” قاسية ليترك وراءه جوهرًا صافيًا بلا زوائد…

ولأن للطبيعة حسًّا ساخرًا خفيًا، فإن البنات اللواتي ينشغلن في شبابهن بملاحقة الشعر على سيقانهن، قد ينظرن إلى أمهاتهن بعين مندهشة: “ما أسعدهن! سيقان ناعمة بلا جهد أو عناء.” لكنهن مع مرور الزمن سيجدن أنفسهن وقد لحقت سيقانهن بأمهاتهن، جرداء خالية من الشعر…

النخلة والإنسان إذن يسلكان الطريق نفسه:
جذع يتجرد من الكَرب…
ساق تخلو من الشعر…
وبنية داخلية تكشف تشابهًا بين الشعرة والجذع…

وهذا الزوال للشعر والكرب جعله الله تجميلًا طبيعيًا لكليهما، لتبدو النخلة ملساء شامخة، ولتبقى الساقان ناعمتين خاليتين من العناء…

إنها فلسفة العمر في أبسط صورها: مع الزمن، ينحسر الغطاء ليبقى الجوهر، راسخًا في الأرض، شامخًا نحو السماء…
ويزداد جمال النخيل كما يزداد جمال النساء…
{ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [يونس:14]

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار