الخردة والسكراب… إلى أين؟ من مقابر المزابل إلى متاحف الفنون
بقلم خليفة الشرقي

قد تبدو الخردة أو ما يُعرف بالسكراب مجرّد نفايات صدئة في أعين الناس: سيارات متآكلة، معادن منسية، وبقايا بلاستيك وزجاج مطروح في المزابل…
لكن الحقيقة أن ما يراه البعض “مقبرة” يمكن أن يراه آخرون “متحفًا”، وما يظنه الناس موتًا يمكن أن يكون ولادة جديدة في يد فنانٍ أو صانعٍ مبدع…
من النفاية إلى القيمة
إعادة تدوير السكراب ليست فقط عملية صناعية، بل هي فلسفة بحد ذاتها:
بيئيًا: تقلّل التلوث وتخفّف الضغط على الموارد الطبيعية.
اقتصاديًا: تحوّل الرخيص المهمل إلى سلعة ذات قيمة، وتفتح أبواب رزق جديدة للحرفيين والمبتكرين…
ثقافيًا: تحفظ ذاكرة الأشياء، فباب السيارة القديم قد يصبح قطعة أثاث تحكي قصة زمن مضى…
جماليًا: تمنح العين متعة، إذ تتحوّل البقايا إلى تحف، والحديد الصدئ إلى تمثال ينبض بالحياة…
خطوات التحويل
رحلة الخردة تبدأ بالفرز والتنظيف، ثم بالصهر أو التشكيل، لتتحوّل المعادن والبلاستيك إلى مواد صالحة للاستخدام. بعد ذلك يتدخل الخيال: تصميم، نحت، ولحام، حتى تولد القطعة الفنية التي تغيّر نظرة الناس إلى “النفايات”…
الخردة في خدمة الفن
كم من تمثالٍ وُلد من قطع محركات قديمة، وكم من مقعدٍ صُنع من باب سيارة صدئ، وكم من لوحة أضاءت بألوان بلاستيك مذاب! إنها رحلة تؤكد أن ما يُهمل في “المزابل” قد يخلّد في “المتاحف”…
حين يصبح الإنسان “خردة”
وكما تتحوّل الأشياء بعد استعمالها إلى خردة، كذلك الإنسان حين يموت: جسده يتحول إلى خردة ويصبح جزءًا من الأرض، ويتفتّت بمرور الزمن حتى يصير تربة صالحة للزراعة…
فالقبور بمرور الزمن تتحوّل إلى تربة تحتضن حياة جديدة…
لكن الفارق هنا عظيم: فالجماد يُعاد تدويره في الدنيا، بينما الإنسان يُبعث في الآخرة. يوم القيامة تُجمع هذه “الخردة البشرية” لتُعاد صياغتها في خلق جديد: إمّا في نعيم الجنة، وإمّا في عذاب النار.
{كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104].
في الخلاصة نقول:
الخردة والسكراب… إلى أين؟
في الدنيا، إمّا أن نتركها عبئًا على الأرض والمجتمع، أو نحوّلها إلى ثروة وجمال. وفي الآخرة، يُسأل الإنسان عن مصيره: أيبقى تربة إلى الأبد؟ أم يُبعث حيًّا لدار الجزاء؟
إنها رحلة من مقابر المزابل إلى متاحف الفنون، ومن القبور إلى البعث، حيث نكتشف أن لا موت حقيقي للأشياء ولا للإنسان… بل تحوّل، ثم ميلاد جديد…
وكما يولد الحديد من صدئه تمثالًا بديعًا، يولد القلب من محنه أكثر إشراقًا… وبين يدَي الله، كلُّ “خردة” تتحوّل إلى حياة أخرى، إلى جمال آخر، إلى قصة جديدة لا تنطفئ…